174

Caminos y Enfoques

سبل ومناهج

Géneros

شتان ما بين بيتكم والثكنة، فقد كنت لا تنهض إلا متى شئت، تستسلم للفجر فتدغدغك أصابعه السمراء وتغرق وتعوم في بهجة الصباح ملقيا همك على أبيك، ولكن للفجر لذة أخرى لا يذوقها إلا المستيقظ النشيط، وللصباح محيا وثابا لا يستقبله إلا المبكر، سيعلمك الواجب العسكري كل هذا فاصبر تتعود، إن المرء مجموعة عادات ولا مكان يثبت العادة ويمكنها مثل الثكنة العسكرية.

إن أول رب واحد عرفناه كان رب جنود، رب إبراهيم ويعقوب، أما اليوم فجميع الأرباب يا عزيزي أرباب جنود، فهل نبقى وحدنا في هذا العالم نهرب من الجندية هربنا من الطاعون؟ افتح مزامير داود واقرأ المزمور الرابع والثمانين، ففيه يصيح: «ما أحلى مساكنك يا رب الجنود! طوبى للساكنين في بيتك! يا رب الجنود، طوبى للمتكلين عليك!»

أجل إن الوطن يتكل على جنوده الأيقاظ ... إنهم السور المحيط بالقصر، والسور يظل منتصبا حارسا. لا تحسبن الجندية أمرا حقيرا، إنها فضيلة عظمى، فضيلة عملية، إنها فضيلة في ذاتها وفضيلة في مفعولها، هي الحارس الأمين للفضائل التي تواضع المجتمع على تقديسها، ففي يدك أنت الذي تستحقر عملك، حياتي وحياة آمرك وآمري، فلا تستصغر مهمتك، فالمهمة تكبر بمن يتولاها، فإذا عرفت منزلتك وعظم شأنها أدركت الاحترام الذي تصبو إليه نفوس الشباب.

إن الجندي هو أحد الحروف التي يكتب بها تاريخ الوطن، فجد لتكون حرفا مشددا فلا تخرج رخوا ولا مائعا فيمجك الذوق وتنبو الآذان عن سماعك، كن حرفا يتم المعنى ويقويه ويخلع على التعبير حلة سحرية، إن الوطن في أقصى الحاجات إلى الجندية، ولا يتحد بنوه إلا تحت سقف بيت رب الجنود الذي هو الوطن.

لو علمت يا عزيزي كم حبة من القمح تتحد لتؤلف غذاءك اليومي، الغذاء الذي تلح صباح مساء على ربك في طلبه؛ لهان عليك الأمر. هلم نتأمل معا أطوار الحبة فتهون عليك أطوار الجندية، فالحبة تموت أولا وأنت بحمد الله لا تموت، ثم تخرج عشبة تقاسي ألف ويلة قبل أن تصير سنبلة تتلع عنقها بغنج وحياء، حتى إذا استوت ونضجت بين يدي الحر والقر حصدت وحملت إلى البيدر لتحتمل محنة النورج، وبعد آلام الدياس يأتي ضغط الرحى ويا للهول! ثم العجن وكم في العجن من آلام! ناهيك بما ينتظرها من حر متقد في التنور، ومن نار حمراء تحت سقف الفرن، حتى إذا أصبحت رغيفا قدمت لك فأكلتها هنيئا مريئا.

إن الحبة لا تتذمر إذ تقطع هذه المراحل الشاقة، وهل تظنن أننا جميعا غير حب يطحن ليغذي ويبقي النوع؟ إن قول أبي العتاهية يؤيد ما أقول:

الناس في غفلاتهم

ورحى المنية تطحن

تأمل يا عزيزي كأس الخمر التي فتنت الأخطل وأبا نواس، وتذكر كم تحدثنا عنها في الصف، تارة مجدين وطورا ضاحكين وأحيانا مستهزئين ومقبحين، إنها مؤلفة من آلاف حبوب مرت في أطوار أقلها هولا وألما يفوق أشد أطوارك، فكما تتحد ملايين الحبات لتؤلف غذاءنا وشرابنا، كذلك يجب أن تتحدوا أنتم الشباب لتؤلفوا الوطن، ولا وطن بدون جنود.

أرجو أن أراك رغيفا شهيا في مأدبة الوطن، رغيفا تفترسه العيون قبل الأيدي، أرجو أن أراك كأسا مثل عين الديك صرفا. أتخيلك كولونيلا أو جنرالا بعد أن تمر في محنة القمح والعنب، إن الوطن يحتاج إلى مثل هذا الاتحاد؛ اتحاد الحنطة والعنب، ولا يكون ذلك إلا في صفوف الجنود. إن للخبز والخمر في المسيحية معنى كهذا الذي بسطته لك، وما أسماه معنى! فلسنا نجد قوتنا القومي إلا في مساكن رب الجنود وما أحلاها يا عزيزي!

Página desconocida