إن اليتيم هو الذي تلقى له
أما تخلت أو أبا مشغولا
تلك هي حالة الكثيرين من الآباء والأمهات، وإذا قلت لأب ما: ساعدنا على تربية أولادك، قال لي: هذا شغل أمهم يا أستاذ، أنا مشغول في أعمالي من الفجر إلى النجر. - والليل يا سيدي؟ - الليل للسهرة والتفريج عن النفس. - والبيت يا مولاي ألا يفرج عنك فيه وجه زوج من ملكات الرحمة، ووجوه فتيان وفتيات كأنهم ولدان وحور الجنان؟ قلت لي إنك تتعب وتشقى طول النهار، فاسمح لي أن أسألك: أين تذهب جنابك؟ ألست تهدره في تلك القهوة، وذاك المرقص، وهذا النادي؟ ألست تضيعه على الموائد الخضراء؟ ألست تطرب لليل طرب الصيام إلى أذان المغرب؟
تدخل بيتك من باب غربي لتخرج من باب شرقي، وتترك قعيدة بيتك في جهنم أولادها، فهم لا يهابونها لأنك تزدريها، ولا يخافونها لأنك تحتقرها.
وإذا سهرت ليلة في البيت لبست وجهك بالمقلوب، ورحت تتغضب على امرأتك وبنيك وبناتك، لا يعجبك العجب، تحتج على كل شيء، وتخلق الأسباب لتغادر البيت بسلام إلى القمار، إلى تصيد الغواني، إلى السكر؛ لتعود في آخر الليل منطفئا تقبل ذا الجدار وذا الجدار، والويل لبنت الحلال إن لم تبق ساهرة حتى تجيء! أنت تلهو بالطقش والفقش، وهي ساهرة واجمة تنتظر تشريفك يا صاحب الوفاء، ثم تستلقي على فراشك بثيابك وحذائك، وإذا استيقظ بنوك على زعاقك وبعاقك فهناك البلوى، إنهم يتلقون عنك أنفع الدروس يا خواجة! وإذا استيقظت في الغد رحت تتمطى عشرات المرات، وبعد تردد تزج جسمك في ثيابك، لتنصرف إلى القهوة وتقعد حد الشباك تسرح نظرك لعله يقع على طريدة أيها الصياد الماهر. أما زوجتك المسكينة فلها الله، تسافر خلفك عيناها حتى تختفي عنها في جيوب الشوارع، وإذ ذاك تتنهد وتهتف من غير قصد وبدون شعور: يا خالتي، ملي الجرة ...
صبرا جميلا يا سيدتي، جاءني زوجك أمس إلى المدرسة قبل أن يتوجه إلى الخمارة ويستفتح ... وقبل أن يقع على زبون يلعب معه الطاولة أو يقامره، نعم، مر على المدرسة وقال لي: الأولاد لا يشتغلون في السهرة، لا يدرسون ولا يكتبون، نبه الأساتذة لكي يعطوهم فروضا.
فقلت له: أشكر لك هذه الملاحظة، هذا واجبنا، اليوم أرى أولادك وأسألهم، وسأسأل أساتذتهم عنهم. وفي الوقت المناسب يا سيدتي دعوت بنيك الثلاثة وسألت كبيرهم: لماذا لا تدرس ولا تكتب في البيت؟
فأجابني: اسأل المعلمين عني.
فملت عنه إلى الثاني وأنا أقول في نفسي: لعله هذا الذي يعنيه أبوه، فتململ الفتى وفتح فمه ليقول شيئا، ثم أطبقه وأطرق إطراقة مكظوم وفرت دمعة من عينه.
فقلت للصغير: يظهر أنك أنت الذي يشكو منك أبوك.
Página desconocida