Sū' al-Khuluq

سوء الخلق

Editorial

درا بن خزيمة

Número de edición

طبعة ثانية منقحة ومزيدة

Géneros

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﵌ تسليما كثيرا. أما بعد: فإن شأن الأخلاق عظيم، وإن منزلتها لعالية في الدين؛ فالدين هو الخلق، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا، وأحسنهم أخلاقا أقربهم من النبي ﷺ يوم القيامة مجلسا. ولقد تظاهرت نصوص الشرع في الحديث عن الأخلاق، فحثت، وحضت، ورغبت في محاسن الأخلاق، وحذرت، ونفرت، ورهبت من مساوئ الأخلاق. بل إن الرسول ﷺ بين أن الغاية من بعثته إنما هي إتمام صالح الأخلاق. قال ﵊: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" ١.

١ أخرجه أحمد ٢/٣٨١، والبخاري في الأدب المفرد "٢٧٣"، والخرائطي في مكارم الأخلاق١/١ رقم: ١٩، والحاكم في المستدرك٢/٦١٣ كلهم عن أبي

1 / 3

بل إن الناس على اختلاف مشاربهم يحبون محاسن الأخلاق، ويألفون أهلها، ويبغضون مساوئ الأخلاق، وينفرون من أهلها. ومع عظم تلك المنزلة لحسن الخلق - إلا أن كثيرا من المسلمين قد فرطوا في هذا الجانب، فلم يلقوا له بالا، ولم يعيروه اهتماما، فساءت أخلاق كثير منهم، وشاعت مظاهر السوء في صفوفهم، فأصبحوا بذلك فتنة لغيرهم، خصوصا ممن يريد الدخول في دينهم؛ وذلك عندما يرى البعد السحيق، والبون الشاسع، بين حال المسلمين وبين ما يدعوهم إليه دينهم القويم. ولهذا جاءت هذه الصفحات محذرة من مساوئ الأخلاق، مرغبة في محاسنها، وذلك إسهاما في هذا المجال، ومحاولة في الارتقاء بأخلاق المسلمين إلى الأمثل والأكمل. أما عنوان هذا الكتاب فهو: سوء الخلق مظاهره - أسبابه - علاجه وتحت هذا العنوان سيتم الحديث عن سوء الخلق من حيث تعريفه، وذمه، والوقوف على مظاهره، وأسبابه التي تبعثه وتحركه؛ فتشخيص الداء مفيد في وصف الدواء.

= هريرة وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر في شرحه للمسند١٧/٧٩ رقم ٨٩٣٩، وصححه أيضا الألباني في صحيح الأدب المفرد٢٠٧، وفي الصحيحة٤٥.

1 / 4

وبعد ذلك سينتقل الحديث عن زبدة هذا الكتاب، ألا وهي العلاج؛ فلا يكفي مجرد معرفة الداء فحسب، بل لا بد مع ذلك من وصف الدواء. وعلاج سوء الخلق يكمن في معرفة حدود الأخلاق، وتمييز محاسنها من مساوئها، والوقوف على السبل والأسباب المعينة على اكتساب الأخلاق الرفيعة الفاضلة. ولهذا جاءت خطة البحث بعد هذه المقدمة مشتملة على بابين وخاتمة، وإليك تفصيل الخطة: الباب الأول سوء الخلق مظاهره وأسبابه وتحته ثلاثة فصول: الفصل الأول: تعريف سوء الخلق وذمه الفصل الثاني: مظاهر سواء الخلق. الفصل الثالث: أسباب سوء الخلق الباب الثاني: علاج سوء الخلق تمهيد: هل يمكن تغيير الأخلاق أو لا؟ الفصل الأول: حسن الخلق وفضائله الفصل الثاني: أسباب اكتساب حسن الخلق الفصل الثالث: أمور تتعلق بالأخلاق الخاتمة: وتحتوي على ملخص مجمل لأهم ما ورد في الكتاب.

1 / 5

فلعل في هذه الصفحات تذكيرا وتبصيرا، وعسى أن يكون فيها ترهيب من مساوئ الأخلاق، وترغيب في محاسنها، وإعانة على التخلي من الرذائل، والتحلي بالفضائل. وأخيرا أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. محمد بن إبراهيم الحمد ١٥/٤/١٤١٦هـ الزلفي ١١٩٣٢ ص. ب ٤٦٠

1 / 6

الباب الأول الفصل الأول: تعريف سوء الخلق وذمه المبحث الأول: تعريف سوء الخلق ... الباب الأول سوء الخلق مظاهره وأسبابه وتحته ثلاثة فصول: الفصل الأول: تعريف سوء الخلق وذمه وتحته مبحثان: المبحث الأول: تعريف سوء الخلق المبحث الثاني: ذم سوء الخلق الفصل الثاني: مظاهر سوء الخلق الفصل الثالث: أسباب سوء الخلق

1 / 7

الفصل الأول: تعريف سوء الخلق وذمه المبحث الأول: تعريف سوء الخلق أولا: تعريف كلمة: "سوء": السوء مأخوذ من الفعل ساء يسوء سوءا. ومعنى السوء: القبح، وهو ضد الحسن ونقيضه. قال ابن منظور في مادة سوء: "ساءه، يسوءه، سَوءا، وسُوءا، وسواء، وسوائية، ومساءة، ومساية، ومساء، ومسائية، - فعل ما يكره"١. وقال: "ويقول: ساء ما فعل فلان صنيعا يسوء: أي قبح صنيعه صنيعا"٢. وقال: "والسوء: الفجور والمنكر"٣. وقال ابن فارس: "تقول: رجل أسوأ: أي قبيح، وامرأة سوآء: أي قبيحة"٤. وقال: "ولذلك سميت السيئة سيئة، وسميت النار سُوأى، لقبح منظرها".

١ لسان العرب لابن منظور١/٩٥. ٢ لسان العرب١/٩٦. ٣ لسان العرب١/٩٦ ٤ معجم مقاييس اللغة لابن فارس٢/١١٣.

1 / 9

قال الله - تعالى ـ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى﴾ [الروم: ١٠] "١. ثانيا: تعريف كلمة "الخلق": الخلُق، والخلْق: الطبيعة والسجية، وتجمع على أخلاق. قال ابن منظور: "وفي التنزيل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤] والجمع أخلاق لا يُكّسر٢ على غير ذلك، والخلْق والخلُق السجية"٣. وقال: "الخلق بضم اللام وسكونها، وهو الدين، والطبع، والسجية"٤. وقال الجاحظ: "الخلق: هو حال النفس بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار. والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعا، وفي بعضهم لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد"٥.

١ معجم مقاييس اللغة لابن فارس٢/١١٣. ٢ لا يكسر: أي لا يجمع جمع تكسير. ٣ لسان العرب١٠/٨٦ـ٨٧ وانظر: معجم مقاييس اللغة ٢/٢١٣ـ٢١٤. ٤ لسان العرب١٠/٨٦ـ٨٧ وانظر: معجم مقاييس اللغة ٢/٢١٣ـ٢١٤. ٥ تهذيب الأخلاق للجاحظص ١٢.

1 / 10

ثالثا: تعريف سوء الخلق: من خلال ما مضى يتبين أن سوء الخلق هو قبحه، ومساوئ الأخلاق: منكراتها، وقبائحها. ومما يمكن أن يعرف به سوء الخلق أنه: ١ـ بذل القبيح، وكف الجميل١. ٢ـ أو أنه: التحلي بالرذائل، والتخلي من الفضائل٢.

١ انظر: مدراج السالكين٢/٢٩٤. ٢ انظر: مدراج السالكين٢/٢٩٤.

1 / 11

المبحث الثاني: ذم سوء الخلق سوء الخلق عمل مرذول، ومسلك دنيء، يمقته الله ﷿ ويبغضه الرسول ﷺ. بل إن الناس على اختلاف مشاربهم يبغضون سوء الخلق، وينفرون من أهله؛ فهو مما ينفر الناس، ويفرق الجماعات، ويصد عن الخير، ويصدف عن الهدى. ثم إنه مجلبة للهم والغمّ، ومدعاة للكدر وضيق الصدر، سواء لأهله أو لمن يتعامل معهم. فما أضيق عيش من ساء خلقه، ما أشد بلاء من ابتلي بسيئ الخلق. قال النبي ﵊: "وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا؛ الثرثارون، المتفيهقون، المتشدقون" ١. قال الأحنف بن قيس: "ألا أخبركم بأدوأ الداء؟ قالوا: بلى،

١ أخرجه أحمد٤/١٩٣ـ١٩٤ وابن حبان٢/٢٣٢، رقم ٤٨٢ وابن أبي شيبة ٨/٥١٥ والبغوي في شرح السنة١٢/٣٦٦ رقم ٣٣٩٥ كلهم من حديث أبي ثعلبة الخشني والترمذي ٢٠١٨ عن جابر وقال: "حديث حسن غريب" وقال الهيثمي في المجمع٨م٢١: "رجال أحمد رجال الصحيح" وحسنه الألباني في الصحيحة٧٩١.

1 / 12

قال: الخلق الدني، واللسان البذي"١. وقال بعضهم: "من ساء خلقه ضاق رزقه"٢. وقال الآخر: "الحسن الخلق من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة، والسيء الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء"٣. بل إن سوء الخلق من أسباب دمار الأمم، وانهيار الحضارات، وصدق شوقي إذ يقول: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ... فأقم عليهم مأتما وعويلا٤ هذا وسيتبين ذم سوء الخلق بصورة أجلى عند الحديث عن مظاهره كما سيأتي فيما بعد.

١ أدب الدنيا والدين ص ٢٤٢. ٢ أدب الدنيا والدين ص ٢٤٢. ٣ أدب الدنيا والدين ص ٢٤٢. ٤ الشوقيات١/١٨٣.

1 / 13

الفصل الثاني: مظاهر سوء الخلق سوء الخلق يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، فمن ذلك ما يلي: ١ـ الغلظة والفظاظة: فتجد من الناس من هو فظ غليظ، لا يتراخى، ولا يتألف، ولا يلذ إلا المهاترة والإقذاع، ولا يتكلم إلا بالعبارات النابية، التي تحمل في طياتها الخشونة والشدة، والغلظة والقسوة. وذلك كله مدعاة للفرقة والعداوة، ونزغ الشيطان، وعدم قبول الحق. فهذا النبي ﵊ مع أنه مرسل من الله، ومؤيد بالوحي، ومع أنه جاء بالهدى ودين الحق قال ربه ﷿ في حقه: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:١٥٩] . ٢ـ عبوس الوجه وتقطيب الجبين: فكم من الناس من لا تراه إلا عابس الوجه، مقطب الجبين، لا يعرف التبسم واللباقة، ولا يوفق للبشر والطلاقة. بل إنه ينظر إلى الناس شزرا، ويرمقهم غيظا وحنقا، لا لذنب

1 / 14

ارتكبوه، ولا لخطأ فعلوه، وإنما هكذا يوحي إليه طبعه، وتدعوه إليه نفسه. وهذا الخلق مركب من الكبر، وغلط الطبع، فإن قلة البشاشة استهانة بالناس، والاستهانة بالناس تكون من الإعجاب والكبر. وقلة التبسم - وخاصة عند لقاء الإخوان - تكون من غلظ الطبع، وهذا الخلق مستقبح وخاصة بالرؤساء والأفاضل١. فالعبوس وما يستتبعه من كآبة، واضطراب نفس - دليل على صغر النفس. أما النفوس الكبيرة فيكتنفها جو السكينة، والطمأنينة٢. قيل لحكيم: "من أضيق الناس طريقا، وأقلهم صديقا؟ قال: من عاشر الناس بعبوس وجه، واستطال عليهم بنفسه"٣. ٣ـ سرعة الغضب: وهذا مسلك مذموم في الشرع والعقل، وهو سبب لحدوث أمور لا تحمد عقباها؛ فكم حصل بسببه من قتل وطلاق، وفساد لذات البين، ونحو ذلك مما ينتج عن الغضب. بل إن من الناس من إذا غضب حمله غضبه على التقطيب في

١ انظر تهذيب الأخلاق للجاحظ ص ٣٢. ٢ انظر أقوال مأثورة وكلمات جميلة د. محمد لطفي الصباغ، ص ١٨١. ٣ أقوال مأثورة ص ١٨٧.

1 / 15

وجه غير من أغضبه، وسوء اللفظ لمن لا ذنب له، والعقوبة لمن لم يكن يريد به إلا دون ذلك. ثم يبلغ به الأمر إذا رضي أن يتبرع بالأمر ذي الخطر لمن ليس بمنزلة ذلك عنده، ويعطي من لم يكن يريد إعطاءه، ويكرم من لم يرد إكرامه١. وهذا من الخرق المذموم، ومما ينافي الحكمة، والحزم، والمروءة، والاعتدال. قال ﵊: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ٢. فكمال قوة العبد أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الغضب، فخير الناس من كانت شهوته وهواه تبعا لما جاء بالشرع، وكان غضبه ومدافعته في نصر الحق على الباطل. وشر الناس من كان صريع شهوته وغضبه٣. فمن وفق لترك الغضب أفلح وأنجح، وإلا فلن يصفو له عيش، ولن يهدأ له بال، ولن يرتقي في كمال. لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ... ولا ينال العلا من طبعه الغضب

١ انظر الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفع ص ١٠٥. ٢ أخرجه البخاري ١٠/٩١، ومسلم "٢١٠٩" عن أبي هريرة. ٣ انظر بهجة قلوب الأبرار لابن سعدي، شرح الحديث٧١.

1 / 16

٤ـ المبالغة في اللوم والتوبيخ: وهذا يقع كثيرا ممن لهم سلطة وتمكن، كالرئيس، والمدير، والمعلم، والكفيل، والوالد ونحوهم. فتجد الواحد منهم يزيد، ويرعد، ويطلق العبارات البذيئة، ويبالغ في اللوم والتوبيخ بمجرد خطأ يسير وقع من شخص تحت سلطته. وهذا الصنيع مما تكرهه النفوس، وتنفر منه القلوب؛ فالناس يكرهون من يؤنب في غير مواطن التأنيب، وينفرون ممن يبالغ فيه دون ترو أو تؤدة؛ فلربما استبان له فيما بعد أن ليس على حق، أو أن هناك اجتهادا صحيحا. ومن الأمثلة على ذلك ما يقع من بعض المعلمين مع طلابهم، حيث يبالغ في تقريع الطالب عند أدنى خطأ، وربما كان ذلك الخطأ غير مقصود أصلا، مما يسبب النفرة من المعلم، والحرج للطالب، فلربما أصيب بسبب ذلك بخيبة أمل، وفقد للثقة بنفسه، وربما ترك الدراسة، فأصبح عالة على أهله ومجتمعه. وقل مثل ذلك فيما يقع بين الأصحاب والأقارب؛ فقد يمضي على أحدهم زمن طويل لم ير صاحبه، فإذا ما رآه ابتدره باللوم، وأمطر عليه وابلا من القريع على غيابه، وقلة اتصاله. وهذا الأمر - وإن كان دليلا على المحبة - إلا أنه سبب للقطيعة والمفارقة؛ لأن الناس لا يحبون أن يحملوا كل شيء، وأكثر الناس لا يتحمل أدنى عتب أو لوم.

1 / 17

ثم إن هذا الذي يلوم ينسى أن يمكن أن يوجه إليه ذلك!. قال منصور بن الزرقان النمري: لعل له عذرا وأنت تلوم ... ورب امرئ قد لام وهو مليم١ ٥ـ الكبر: فهناك من يتكبر في نفسه، ويتعالى على بني جنسه، فلا يرى لأحد قدرا، ولا يقبل من أحد عدلا ولا صرفا. والكبر خصلة ممقوتة في الشرع، والفطر، والعقول، والمتكبر ممقوت عند الله، وعند خلق الله. قال ﷺ: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر". قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة. قال: "إن الله جميل يحب الجمال؛ الكبر بطر الحق، وغمط الناس" ٢. فبطر الحق: رده، وغمط الناس: احتقارهم. ٦ـ السخرية بالآخرين: كحال من يسخر بفلان لفقره، أو لجهله، أو لخرقه، أو لرثاثة ثيابه، أو لدمامة خلقته، أو نحو ذلك.

١ أقوال مأثورة ص ٤٢٧ عن نهاية الأرب ٣/٨٦. ٢ رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه ٩١ عن عبد الله بن مسعود.

1 / 18

فهذا العمل مظهر قبيح من مظاهر سوء الخلق، ويكفي في التنفير منه قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ [الحجرات:١١] . ٧ـ التنابز بالألقاب: وهذا مما نهانا الله ﷿ عنه، وأدبنا بتركه، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات:١١] . ومع هذا النهي إلا أننا نجد أن غالبية الناس لا يعرفون إلا بألقابهم السيئة. وهذه الألقاب مما يثير العداوة، ويسبب الشحناء في الغالب؛ لأن الناس يحبون من يناديهم بأسمائهم، أو بكناهم الطيبة، وينفرون من يناديهم بألقابهم السيئة. أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقب ٨ - الغيبة: تلك الخصلة الذميمة، التي لا تصدر إلا من نفس ضعيفة وضيعة دنيئة. والغيبة هي - كما أخبر بذلك النبي ﷺ: "ذكرك أخاك بما يكره" ١.

١ رواه مسلم ٢٥٨٩، ورواه أبو داود ٤٨٧٤، والترمذي ١٩٣٤ كلهم عن أبي هريرة.

1 / 19

والمغتاب يريد التسلق على أكتاف الآخرين، وذلك بالحط من أقدارهم، وتزهيد الناس بهم. وما علم هذا المغتاب أن الرافع الخافض هو الله ﷿ وأنه بصنيعه يهدي حسناته - وهي أعز ما يملك - لمن يقع في عرضه. فأين هذا المغتاب من قوله - تعالى ـ: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات:١٢] . بل أين هو من أهل الجاهلية التي أشرافها يتمدحون بترك الغيبة. قال المثقب العبدي: لا تراني راتعا في مجلس ... في لحوم الناس كالسبع الضرم١ والغيبة لا تقتصر على اللسان فحسب، بل قد تكون بالإشارة بالعين، أو اليد، أو نحو ذلك. أما أسبابها فكثيرة، منها التشفي من الآخرين، ومجاملة الأقران والرفقاء، والحسد، وكثرة الفراغ، والتقرب لدى أصحاب الأعمال والمسؤولين عن طريق ذم العاملين. ومن أسبابها الإعجاب بالنفس، والغفلة عن التفكر في عيوبها. وأعظم أسبابها قلة الخوف من الله ﷾ ٢.

١ الديوان ص ٢٢٩. ٢ انظر: الغيبة وأثرها السيء في المجتمع الإسلامي للشيخ حسين العوايشة، ففيه تفصيل رائع للغيبة.

1 / 20

٩ـ النميمة: وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الفساد. فكم فسد بسببها من صداقة، وكم تقطعت من أواصر، وكم تحاصت من أرحام. والنميمة كالغيبة من حيث إنها لا تصدر من نفس كريمة، وإنما تصدر من نفس مهينة ذليلة دنيئة. أما الكرام فإنهم يترفعون عن مثل هذه الترهات. وإن مما يزيد الطين بلة أن تجد النميمة آذانا مصيخة، وأفئدة مصغية، فمن أصاخ السمع وأصغى الفؤاد لمن ينم - فإنه مشارك له في الإثم، ومن أطاع الوشاة وصدقهم فلن يبقى له صديق أو قريب. ومن يطع الواشين لا يتركوا له ... صديقا ولو كان الحبيب المقربا١ قال الشافعي ﵀ "قبول السعاية شر من السعاية؛ لأن السعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز"٢. ١٠ـ سماع كلام الناس بعضهم ببعض، وقبول ذلك دون تمحيص وتثبت: فكم جر ذلك من ويلات، وكم أفسد من مودات، وكم أغرى من عداوات.

١ ديوان الأعشى ص ٩. ٢ صفة الصفوة لابن الجوزي ٢/١٦٨.

1 / 21

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ﵀ "من الغلط الفاحش الخطر قبول قول الناس بعضهم ببعض، ثم يبنى عليه السامع حبا أو بغضا، ومدحا وذما؛ فكم حصل بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها الندامة، وكم أشاع الناس عن الناس أمورا لا حقائق لها بالكلية، أو لها بعض الحقيقة فنميت بالكذب والزور، وخصوصا ممن عرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عرف منهم الهوى. فالواجب على العاقل التثبت والتحرز، وعدم التسرع. وبهذا يعرف دين المرء ورزانته وعقله"١. ١١ـ التجسس والتحسس: أصل التجسس: تعرف الشيء عن طريق الجس أي الاختبار باليد، والتحسس: تعرفه عن طريق الحواس، ثم استعملا في البحث عن عيوب الناس. وقيل: إن الأول البحث عن العورات، والثاني الاستماع لحديث القوم. وقيل: إن الأول البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يكون في الشر، والثاني: ما يدرك بحاسة العين والأذن. وقيل: التجسس تتبع العورات لأجل غيره، والتحسس تتبعها لنفسه٢. والحاصل أن التجسس والتحسس مما لا ينبغي، بل نكتفي

١ الرياض الناضرة ص ٢٠٩. ٢ انظر الأدب النبوي محمد عبد العزيز الخولي، ص ١٣٧.

1 / 22

بالظاهر، ونكل أمر الباطن إلى العليم الخبير، إلا إذا كان التجسس طريقا لدرء مفسدة كبيرة، أو جلب مصلحة عظيمة، كما لو علمنا أن أناسا عزموا على ارتكاب جريمة قتل أو سرقة أو نحو ذلك، فتجسسنا عليهم؛ لنحول بينهم وبين ما يشتهون - فلا حرج حينذ. أما إذا قصد بذلك تتبع العثرات، والفرح بالزلات - فهذا هو المحذور الذي لا ينبغي فعله، ولا الإقدام عليه. وهذا - مع بالغ الأسف - دأب كثير من الناس، حيث تجده متتبعا لعثرات إخوانه، متناسيا حسناتهم، فإذا سمع قبيحا فرح به ونشر، وإذا سمع حسنا ساءه ذلك وستره. إن يسمعوا سيئا طاروا به فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا١. وكما قال الآخر: يمشون في الناس يبغون العيوب لمن ... لا عيب فيه لكي يستشرف العطب إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا٢ فمن هذا دأبه وديدنه فهو من أحقر الناس، وأسفلهم. شر الورى بعيوب الناس مشتغل ... مثل الذباب يراعي موطن العلل قال ابن حبان ﵀: "فمن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه، وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه؛

١ عيون الأخبار ٣/٨٤. ٢ روضة العقلا ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي، ص ١٧٨.

1 / 23