Studies in the Style of the Quran
دراسات لأسلوب القرآن الكريم
Editorial
دار الحديث
Número de edición
بدون
Ubicación del editor
القاهرة
Géneros
دراسات
لأسلوب القرآن الكريم
تأليف
محمد عبد الخالق عضيمة
(الأستاذ بجامعة الأزهر)
تصدير / 2
تصدير
بقلم الأستاذ: محمود محمد شاكر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده لا شريك له، أنزل الكتاب بالحق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وصلى الله على خيرته من خلقه، محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وترك الناس على المحجة الواضحة بنور القرآن الذي لا يخبو نوره، وضياء السنة التي لا يخفت ضياؤها.
وبعد:
فماذا يقول القائل في عمل قام به فرد واحد، لو قامت عليه جماعة لكان لها مفخرة باقية؟ فمن التواضع أن يسمى هذا العمل الذي يعرضه عليك هذا الكتاب «معجمًا نحويًا صرفيًا للقرآن العظيم».
فمعلوم أن جل اعتماد المعاجم قائم على الحصر والترتيب.
أما هذا الكتاب، فالحصر والترتيب مجرد صورة مخططة يعتمد عليها.
أما القاعدة العظمى التي يقوم عليها، فهي معرفة واسعة مستوعبة تامة لدقائق علم النحو، وعلم الصرف، وعلم اختلاف الأساليب.
ولولا هذه المعرفة لم يتيسر لصاحبه أن يوقع في حصره من حروف
تصدير / 3
المعاني وتصاريف اللغة على أبوابها من علم النحو، وعلم الصرف، وعلم أساليب اللغة.
وهذا العمل الجليل الذي تولاه أستاذنا الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة والذي أفنى فيه خمسة وعشرين عامًا طوالًا، والذي يعرض عليك منه هذا القسم الأول إنما هو جزء من عمل ضخم لم يسبقه إليه أحد، ولا أظن أن أحدًا من أهل زماننا كان قادرًا عليه بمفرده، فإن الشيخ قد أوتي جلدًا وصبرًا معرفة، وأمانة في الإطلاع، ودقة في التحريم لم أجدها متوافرة لكثيرة ممن عرفت.
وحروف المعاني التي يتناولها هذا القسم الأول من جمهرة علم القرآن العظيم (١)، أصعب أبواب هذه الجمهرة؛ لكثرتها وتداخل معانيها. فقل أن تخلو آية من القرآن العظيم من حرف من حروف المعاني.
أما المشقة العظيمة، فهي في وجوه اختلاف مواقع هذه الحروف من الجمل؛ ثم اختلاف معانيها باختلاف مواقعها، ثم ملاحظة الفروق الدقيقة التي يقتضيها هذا الاختلاف في دلالته المؤثرة في معاني الآيات وهذا وحده أساس علم جليل من علوم القرآن العظيم.
وسترى في هذا القسم العمل المتقن الذي تولاه أستاذنا الجليل، مواضع كثيرة من الاستدراك على النحاة منذ سيبويه إلى ابن هشام ولكن
_________
(١) «الجمهرة» هذه اللفظة وضعتها لما نسميه في هذا الزمان «دائرة المعارف» أو «الموسوعة».
تصدير / 4
ليس معنى هذا أن نبخس الشيوخ الأوائل نصيبهم من التفوق الهائل الذي يذهل العقول، ولكن معناه أن الأساس الذي أسسوه في أزمنتهم المتطاولة كان ينقصه هذا الحصر الدقيق لكل ما في القرآن العظيم من حروف المعاني، وكان هذا الحصر خارجًا يومئذ عن طاقتهم، فإن الذي أعان عليه هو الطباعة التي استحدثت في زماننا. والناظر في كتب القدماء لا يخطئه أن يرى أنهم قاموا بحصر غير تام، بيد أن هذا القدر الذي قاموا به هو في ذاته عمل فوق الجليل وفوق الطاقة.
ويظن أستاذنا الشيخ عضيمة أن الأوائل قد شغلهم الشعر عن النظر في شواهد القرآن العظيم، وأظن أن الذي تولاه أستاذنا في حصر هذه الأشياء في القرآن العظيم، وتنزيلها في منازلها من أبواب علم النحو وعلم الصرف، وعلم أساليب اللغة، مقدمة فائقة الدلالة، لعمل خر ينبغي أن تتولاه جماعة منظمة في حصر ما في الشعر الجاهلي والإسلامي من حروف المعاني، ومن تصاريف اللغة، ومن اختلاف الأساليب ودلالتها. والذي ظن الأستاذ أن القدماء قد فرغوا هممهم له، هو في الحقيقة ناقصٌ يحتاج إلى تمامٍ، وتمامه أن يهيء الله للناس من يقوم لهم في الشعر بمثل ما قام به هو في القرآن العظيم.
وإذا تم هذا كما أتم الشيخ عمله في القرآن العظيم، فعسى أن يكون قد حان الحين للنظر في «إعجاز القرآن» نظرًا جديدًا، لا يتيسر للناس إلا بعد أن يتم تحليل اللغة تحليلًا دقيقًا قائمًا على حصر الوجوه المختلفة لكل حرف من حروف المعاني، وتصاريف اللغة. لأن هذه الحروف
تصدير / 5
وهذه التصاريف، تؤثر في المعاني، وتؤثر في الأساليب، وتحدد الفروق الدقيقة بين عبارة وعبارة وأثرها في النفس الإنسانية وأثر النفس الإنسانية فيها، وفي دلالاتها.
وإذا كان أستاذنا الجليل قد تواضع فظن أنه قد وضع أساسًا علميًا ثابتًا للحكم على أساليب القرآن، وموقعها من النحو والصرف، فإني أظن أنه قد فات ذلك وسبقه، فهيأ لنا أساسًا جديدًا للنظر في «إعجاز القرآن» نظرة جديدة تخرجه من الحيز القديم، إلى حيز جديد يعين على إنشاء «علم بلاغة» مستحدث. فإنه مهما اختلف المختلفون في شأن «البلاغة» فالذي لا يمكن أن يدخله الاختلاف هو أن تركيب الكلام على أصول النحو والصرف، هو الذي يحدث في كلام ما ميزة يفوق بها كلامًا آخر. وهذا لا يتيسر معرفته إلا بتحليل اللغة وتحليل مفرداتها وأدواتها، وروابطها، التي هي حروف المعاني، عمل لا ينتهي فيه إلى غاية، إلا بعد الحصر التام للغة وتصاريفها، ولا سيما حروف المعاني، وبعد معرفة أثر هذه الفروق في تفضيل كلام على كلام.
والشيخ - حفظه الله - لم يترك مجالًا للاستدراك على عمله العظيم، فكل ما أستطيع أن أقوله، إنما هو ثناء مستخرج من عمل يثنى على نفسه، ولكن بقى ما نتهاداه في هذه الحياة الدنيا، وهو أن أدعو الله له بالتوفيق، وأن يزيده من فضله، وأن يعينه على إتمام ما بدأ، وأن يجعل هذا العمل
تصدير / 6
ذخيرة له يوم لا ينفع مال ولا بنون.
محمود محمد شاكر
٢٠ من جمادى الآخرة سنة ١٣٩٢
٣١ من يوليو سنة ١٩٧٢
تصدير / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وخاتم النبيين، أُنزل عليه القرآن بلسان عربي مبين، هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.
وبعد:
فهذا بحث رسمت خطوطه، ونسجت خيوطه بقراءتي. استهدفت أن أصنع للقرآن الكريم معجمًا نحويًا صرفيًا، يكون مرجعًا لدارس النحو، فيستطيع أن يعرف متى أراد: أوقع مثل هذا الأسلوب في القرآن أم لا؟ وإذا كان في القرآن فهل ورد كثيرًا أو قليلًا، وفي قراءات متواترة أو شاذة؟ كما أنه يستطيع أن يحتكم إليه في الموازنة بين الأقوال المختلفة؛ كما كان يفعل الصدر الأول في الاحتكام إلى كلام الفصحاء ومشافهتهم قبل أن يدب اللحن إلى الألسنة.
وَجَّه الفقهاء عنايتهم إلى مصدر الشريعة الأول، وهو القرآن، فأحصوا آيات الأحكام، وأشبعوا القول فيها، والحديث عنها.
فالدارس للفقه يستطيع بسهولة ويسر أن يهتدي إلى الأحكام التي مصدرها القرآن، والأحكام التي مصدرها غيره.
والقرآن الكريم حجة في العربية بقراءته المتواترة، وغير المتواترة؛ كما هو حجة في الشريعة. فالقراءة الشاذة التي فقدت شرط التواتر لا تقل
1 / 1
شأنًا عن أوثق ما نقل إلينا من ألفاظ اللغة وأساليبها. وقد أجمع العلماء على أن نقل اللغة يكتفي فيه برواية الآحاد.
ولو أراد دارس النحو أن يحتكم إلى أسلوب القرآن وقراءاته في كل ما يعرض له من قوانين النحو والصرف - ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ ذلك لأن الشعر قد استبد بجهد النحاة، فركنوا إليه، وعولوا عليه، بل جاوز كثيرٌ منهم حدّه، فنسب اللحن إلى القرّاء الأئمة، ورماهم بأنهم لا يدرون ما العربية!
وكان تعويل النحويين على الشعر ثغرة نفذ منها الطاعنون عليهم؛ لأن الشعر روى بروايات مختلفة؛ كما أنه موضع ضرورة.
لهذا مست الحاجة إلى إنشاء دراسة شاملة لأسلوب القرآن الكريم في جميع رواياته؛ إذ في هذه القراءات ثروة لغوية ونحوية جديرة بالدرس وفيها دفاع عن النحو؛ تعضد قواعده، وتدعم شواهده.
بدأت هذه الدراسة في مكة المكرمة وفي بيت الله الحرام في شهر صفر سنة ١٣٦٦ - يناير سنة ١٩٤٧، وكان من ثمرة موالاة العمل أن كتبت مجلدات ضخمة سعة المجلد ألف صفحة، وهذا تعريف بهذه المجلدات:
١ - وجدت المصنفين الذين عرضوا لفهرسة ألفاظ القرآن قد تناهت جهودهم عند حصر ألفاظ الأفعال وبعض الأسماء، وإحصاء آياتها، وتركوا هذا الإحصاء في الحروف والضمائر، وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة وبعض الظروف الكثيرة الذكر كإذ، وإذا.
بدأت بإحصاء حروف المعاني، وجمع آياتها، كذلك فعلت في كل ما
1 / 2
أغفلت جمعه هذه الكتب:
١ - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ﵀.
٢ - المرشد إلى آيات القرآن الكريم وكلماته للأستاذ محمد فارس بركات.
٣ - فتح الرحمن لطالب آيات القرآن لفيض الله العلمي.
٤ - مفتاح كنوز القرآن.
نعم وقفت على كتاب أحصى لنا ألفاظ القرآن، لم يترك منها لفظًا وهو كتاب «مصباح الإخوان، لتحريات القرآن»، لجامعه الحافظ: يحيى حلمي بن حسين قسطموني، غير أنه لم يذكر الآيات، وإنما اكتفى بذكر أرقام للآيات، وهذه الأرقام - مع الأسف - يشيع فيها الاضطراب ولا سيما في طوال المفصل، وقد اعتذر عن هذا في مقدمة كتابه التي كتبها باللغة التركية، اعتذر بأنه لم يكن لديه مصحف مرقم الآيات، والمصحف المفسر لم يظهر إلا بعد أن فرغ من كتابه.
شغل هذا الإحصاء مني مجلدًا ضخمًا.
٢ - نظرت في الكتب التي عُنيت بإعراب القرآن، وأهمها:
«البحر المحيط» لأبي حيان، «الكشاف» للزمخشري، «إملاء ما من به الرحمن» للعكبري، «البيان» للأنباري، حاشية الجمل، وغيرها، لخصت ما فيها من أعاريب، ورتبتها ترتيب أبواب النحو والصرف، فشغل ذلك العمل مجلدين كبيرين.
٣ - قرأت كتب القراءات: السبعية، والعشرية، والشواذ، وهي: شرح
1 / 3
الشاطبية لابن القاصح، «غيث النفع في القراءات السبع» «النشر» في القراءات العشر لابن الجزري، «إتحاف فضلاء البشر» للبناء، «المحتسب» لابن جني، «شواذ القرآن» لابن خالويه، وأضفت إليها ما ضمه «البحر المحيط» من القراءات وتوجيهها، لخصت ما في هذه الكتب وتربته ترتيب أبواب النحو والصرف، فشغل ثلاثة مجلدات.
٤ - رأيت أن الكتب المصنفة في فهرسة ألفاظ القرآن لا يتأتى النفع بها إلا إذا رتبت ألفاظ القرآن ترتيب أبواب النحو والصرف، فالباحث مثلًا عن مصادر القرآن لا يستطيع أن يقع عليها في هذه الكتب إلا إذا قرأها، فإذا أراد البحث عن المشتقات، أو الأبنية، أو صيغ الزوائد والأفعال كان عليه أن يقرأها مرات ومرات، وهكذا دواليك.
لذلك قمت بترتيب ألفاظ المصحف ترتيب أبواب النحو والصرف فجمعت في كل باب ألفاظه القرآنية، وبهذا يسهل الوقوف على الآيات عن طريق هذه الألفاظ، فجاء هذا العمل في مجلدين كبيرين.
هذه هي الخطوات الأولى لهذا البحث، وهي خطوات تدور حول مرحلة واحدة، وهي مرحلة الجمع والإعداد. وقد كتب عن هذه الخطوات، وسجلت بعض الظواهر اللغوية في القرآن في مقالات نشرت بمجلة الأزهر بدأت من عدد رجب سنة ١٣٧٩ - يناير سنة ١٩٦٠ بعنوان: «دراسات لأسلوب القرآن الكريم» ثم توقفت عن متابعة الكتابة؛ إذ كنت لا أدري متى أنتهي من دراسة حروف المعاني.
منهجي في تسجيل الظواهر اللغوية في القرآن:
أما في دراسة حروف المعاني فكنت أبدأ بقراءة ما ذكره النحويون عن
1 / 4
الحرف مبتدئًا بكتاب سيبويه ومنتهيًا بابن هشام. وأجمع النصوص، ثم أرجع إلى كتب التفسير والإعراب في آيات كل حرف آية آية وأجمع نصوصها أيضًا ثم أنعم النظر في آيات كل حرف وما فيه من قراءات، وأسجل الظواهر اللغوية والنحوية على ضوء ما جمعته من النصوص.
هل كان للنحويين استقراء للقرآن في جميع رواياته؟
لو رجعنا إلى كتب النحو لوجدنا فيها رجوعًا إلى القرآن في بعض المسائل من ذلك:
١ - قال سيبويه عن الاستثناء المنقطع: هو كثير في القرآن ١: ٣٦٦.
٢ - أوجب الزجّاج تكيد المضارع بعد (إن) الشرطية المدغمة في (ما)، أي (إمّا) لأنه لم يقع في القرآن إلا مؤكدًا.
٣ - قال ابن مالك في شرح «الكافية الشافية» ٢: ٤٤: وإلغاؤها (إذن) أجود وهي لغة القرآن التي قرأ بها السبعة في قوله تعالى: ﴿وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
٤ - قال الرضى في شرح الكافية ٢: ٢٤٢: «لم يأت في الكتاب العزيز أن يكون الشرط مضارعًا، والجواب ماضيًا».
٥ - لم يقع بعد (سواء) إلا الجملة الفعلية التي فعلها ماضي، ولذلك استهجن الأخفش وقوع الإسمية، والفعلية التي فعلها مضارع بعدها.
قال أبو علي في «الحجة»: «ومما يدل على ما قال الأخفش أن ما جاء في التنزيل من هذا النحو جاء على مثال الماضي». الرضى ٢: ٣٤٩.
٦ - قال ابن هشام عن واو المفعول معه: «لم تأت واو المعية في القرآن
1 / 5
بيقين» المغني ٢: ٣٤.
٧ - ليس في التنزيل بداءٌ بعير (يا) المغني ١: ١٠.
٨ - جر (لدن) بمن أكثر من نصبها، حتى إنها لم ترد في التنزيل منصوبة. المغني ١: ١٣٦.
كذلك نرى سيبويه يستشهد بالقرآن وببعض القراءات ما تواتر منها وما لم يتواتر. ولو قيس استشهاده بالقرآن باستشهاده بالشعر لوجدنا الشعر قد غلب عليه واستبد بجهده، فشواهده الشعرية كما ذكر أبو جعفر النحاس في شرحه للشواهد (١٠٥٠)، وهي في النسخة المطبوعة بمصر (١٠٦١) على حين أن استشهاده بالقرآن لم يتجاوز (٣٧٣)، وذلك كإحصاء الأستاذ النجدي في كتابه عن سيبويه ص ٢٣٥.
وكذلك صنع المبّرد في «المقتضب».
وللنحويين قوانين كثيرة لم يحتكموا فيها لأسلوب القرآن، فمنعوا أساليب كثيرة جاء نظيرها في القرآن، من ذلك:
١ - ذكر سيبويه قبح (كل) المضافة إلى نكرة في أن تلي العوامل، فقال ١: ٢٧٤: «أكلت شاة كل شاة حسن، وأكلت كل شاة ضعيف».
جاءت (كل) المضافة إلى نكرة مفعولًا به في ٣٦ موضعًا في القرآن، كما تصرفت في وجوه كثيرة من الإعراب، انظر بحث (كلّ).
1 / 6
٢ - منع السهيلي أن تلي (كلّ) المقطوعة عن الإضافة العوامل؛ نحو: ضربت كلا، ومررت بكل. نتائج الفكر ص ٢٢٧.
جاءت (كل) المقطوعة عن الإضافة مفعولًا به، ومجرورة بالحرف متأخرة عن فعلها في آيات من القرآن.
٣ - اشترط الزمخشري في خبر (أنّ) الواقعة بعد (لو) أن يكون خبرها فعلًا. المفصل ٢: ٢١٦.
جاء خبرها في القرآن اسمًا جامدًا، واسمًا مشتقًا.
٤ - منع ابن الطراوة أن يقع المصدر المؤول من (أن) والفعل مضافًا إليه. الهمع ٢: ٣.
جاء المصدر المؤول من (أنْ) والفعل مضافًا إليه في ثلاثة وثلاثين موضعًا من القرآن.
٥ - منع النحويون وقوع الاستثناء المفرغ بعد الإيجاب، وعللوا ذلك بأن وقوعه بعد الإيجاب يتضمن المحال أو الكذب.
وفي القرآن ثماني عشرة آية وقع فيها الاستثناء المفرغ بعد الإيجاب، وفي بعضها كان الإيجاب مؤكدًا مما يبعد تأويله بالنفي، كقوله تعالى:
١ - ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ ٢: ٤٥.
٢ - ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ ٢: ١٤٣.
٣ - ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ ١٢: ٦٦.
كذلك منع النحويون أن يجيء الاستثناء المفرغ بعد (ما زال) وأخواتها وجعله ابن الحاجب والرضى من المحال وعللا ذلك.
1 / 7
وهذا المحال في نظر ابن الحاجب والرضى جاء في قوله تعالى:
﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ ٩: ١١٠.
والعجيب أن المفسرين والمعربين اعتصموا بالصمت، فلم يتحدث واحد منهم عن الاستثناء في هذه الآية.
٦ - اشترط الرضى لوقوع الفعل الماضي بعد (إلا) شرطين:
أ- أن يتقدم (إلا) فعل ماضي. ب- أن يقترن الماضي بقد.
جاء الفعل بعد (إلا) وليس فيه أحد الشرطين في ثمانية عشر موضعًا انظر ص ١٨٨ من الجزء الأول.
٧ - منع ابن عصفور أن تقع الجملة الطلبية خبرًا لإنّ، وقد جاء ذلك في مواضع من القرآن.
٨ - زعم السهيلي في الروض الأنف ١: ٢٨٦، ونتائج الفكر ص ٧٩ أن السين وسوف لهما صدر الكلام؛ فلا يتقدم عليهما معمول ما بعدهما، وتابعه على ذلك ابن القيم في بدائع الفوائد ١: ٨٩ - ٩٠.
وفي القرآن: ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ ٣٠: ٣.
وقد زعما ذلك أيضًا في (قد). انظر بحث (قد).
٩ - جاء جواب (إذا) الشرطية مقترنًا باللام في قوله تعالى: ﴿أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ ١٩: ٦٦ كما جاء في شعر المرّار بن منقذ.
وقال الأستاذان محققًا المفضليات طبع دار المعارف ص ٩٢: «لم نجد
1 / 8
هذا الاستعمال فيما بين أيدينا».
ولبعض النحويين جرأة عجيبة: يجزم بأن القرآن خلا من بعض الأساليب من غير أن ينظر في القرآن ويستقرى أساليبه من ذلك:
١ - ذكر السهيلي أنه يقبح أن تدخل السين في جملة خبر المبتدأ، فإذا أدخلت (إن) على المبتدأ جاز دخول السين، وقال: إن هذا مذهب شيخه أبي الحسين بن الطراوة، ثم ذكر أنه قال له كالمحتج عليه: أليس قد قال الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ٤: ٥٧.
فجاء بالسين في خبر المبتدأ، فقال لي: اقرأ ما قبل الآية فقرأت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...﴾ ٤: ٥٦ فضحك وقال: قد كنت أفزعتني أليست هذه (إن) في الجملة المتقدمة ... فسلمت له وسكت. نتائج الفكر ص ٨٠.
وقد نقل حديث السهيلي بنصه ابن القيم في بدائع الفوائد ١: ٩٠، وما خطر له أن يحتكم في ذلك إلى أسلوب القرآن، ولو رجع إلى سورة النساء وحدها لوجد فيها آيات وقعت فيها الجملة المصدرة بالسين أو بسوف خبرًا للمبتدأ، وليس قبلها (إن) من ذلك قوله تعالى:
١ - ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ٤: ١٢٢.
1 / 9
٢ - ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ٤: ١٦٢.
٣ - ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ﴾ ٤: ١٧٥.
هذا ما في سورة النساء وحدها، وفي غيرها كثير. انظر بحث السين وسوف.
٤ - قال السيوطي في كتابه «الإتقان» ١: ١٧٠: «وترد (كم) استفهامية، ولم تقع في القرآن».
جاءت (كم) متعينة للاستفهام في ثلاث آيات، ومحتملة للاستفهامية والخبرية في خمس آيات. انظر بحث (كم).
٥ - قال أحمد بن فارس في كتابه «الصاحبي» ص ١٧٢، عن القلب المكاني: «وليس من هذا - فيما أظن - من كتاب الله جل ثناؤه شيء».
في القرآن (الطاغوت) وفيها قلب مكاني، وهناك قراءات سبعية متعينة للقلب المكاني، وأخرى محتملة للقلب ولغيره. انظر كتابي «المغني في تصريف الأفعال» ص ٥١ - ٥٥.
كذلك رأينا بعض النحويين يخطئ في حصر ما جاء في القرآن حينما يتعرض لذلك:
1 / 10
١ - قال السهيلي في نتائج الفكر ص ٢٢٥ - ٢٢٦: (كل) المقطوعة عن الإضافة حقها أن يكون خبرها جمعًا، وقد ورد موضعان أفرد فيهما الخبر عن (كل).
وتبعه ابن القيم في بدائع الفوائد ١١: ٢١٣ - ٢١٤.
وفي القرآن آيات كثيرة، لا موضعان كما زعم السهيلي وابن القيم. انظر بحث (كل).
٢ - منع الصفار من دخول (أم) على (هل) وعلى غيرها من أدوات الاستفهام، وزعم أنه لم يقع في القرآن إلا في آيتين ... قال أبو حيان: وهذا منه دليل على الجسارة وعدم حفظ كتاب الله. الهمع ٢: ١٣٣.
٣ - قال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في «تذكرته»: لم تقع (ما) في القرآن إلا على لغة أهل الحجاز، ما خلا حرفًا واحدًا، وهو: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ على قراءة حمزة (تهْدِى) فإنها على لغة تميم. الأشباه والنظائر ٢: ٥٨.
جاء الخبر بعد (ما) جملة فعلية في ثلاثة آيات غير قراءة حمزة. انظر بحث (ما) النافية.
٤ - مراعاة لفظ (من) ثم معناها، ثم لفظها قال عنها أبو حيان: «لا نعلمه جاء في القرآن إلا في آيتين ...» ثم ذكرهما. البحر ٧: ١٨٤.
ثم نراه جعل من ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ ٤٣: ٣٦ - ٣٧ البحر ٨: ١٦. كما جعل منه قوله تعالى: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ ٥: ٦٠ النهر ٣: ٥١٧.
1 / 11
ونرى في كتب النحو ذكر بعض المسائل من غير استشهاد لها بكلام العرب، أو القرآن على حين أن شواهدها في القرآن كثيرة جدًا في شرح الشافية للرضى ١: ٤٦: «يحكى عن الأخفش أن كل (فعل) في الكلام فتثقيله جائز، إلا ما كان صفة أو معتل العين كحمر وسوق فإنهما لا يثقلان إلا في ضرورة الشعر، وكذا قال عيسى بن عمر: إن كل (فعل) كان فمن العرب من يخففه، ومنهم من يثقله؛ نحو: عسر ويسر».
كل ما كان على (فعل) في القرآن فقد قرئ فيه بالتثقيل في القراءات المتواترة (العسر، اليسر، عسرة، العسرى، جزء، الرعب، رعبا، نكرا، رحما، سحقا، عذرا).
انظر النشر ٢: ٢١٦ - ٢١٧؛ ٢٢٦:
شرح الشاطبية ١٦٥، ١٧٧، ٢٧٦ -؛
غيث النفع ٥٥، ٧٠، ١١٢، ١٤٥.
الإتحاف: ١٣٨، ١٤١، ١٥٤، ١٦١، ١٦٥، ٢٣٨، ٢٦٢، ٢٧٥، ٢٨٩.
أضف إلى هذا أن النحويين كثر منهم تلحين القراء الأئمة، يستوى عندهم في ذلك القراءات المتواترة وغيرها، وسنعرض لذلك بتفصيل وافٍ، إن شاء الله.
لقد سجلت كثيرًا مما فات النحويين، وليس من غرضي أن أتصيد أخطاءهم وأرد عليها.
ولست أقول بأن القرآن قد تضمن كل الأحكام النحوية، فالأساليب
1 / 12
التي لم يرد نظيرها في القرآن لا يلتفت إليها، ولا يعمل بها، وإنما أقول: ما جاء في القرآن كان حجة قاطعة، وما لم يقع في القرآن نلتمسه في كلام العرب ونظير هذا: الأحكام الشرعية، إذا جاء الحكم في القرآن عمل به، وإن لم يرد به نص في القرآن نلتمسه في السنة وفي غيرها.
وقد أوقفتني دراستي للقرآن على أن القرآن خلا مما يأتي:
١ - توكيد فعل الأمر بالنون مع كثرته في القرآن، والمضارع المجزوم بلام الأمر، والمضارع بعد التمني والترجي، والعرض، والتحضيض.
وقع المضارع المثبت كثيرًا بعد أدوات الاستفهام وخلا من التوكيد إلا في آية واحدة ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾.
٢ - لم يقع خبر (لا) النافية للجنس اسمًا صريحًا مفردًا، وإنما جاء ظرفًا وجارًا ومجرورًا.
٣ - عطف (ثم) للاسم المفرد لم يقع في القرآن، وإنما جاءت عاطفة للجملة.
الناظر في كتب إعراب القرآن وكتب التفسير يلحظ كثرة اختلاف النحويين في إعراب القرآن. ومرجع هذا - فيما أظن - إلى أمرين:
١ - أسلوب القرآن معجز، لا يستطيع أحد أن يحيط بكل مراميه ومقاصده؛ فاحتمل كثيرًا من المعاني، وكثيرًا من الوجوه.
1 / 13
٢ - يحتفظ النحويون لأنفسهم بحرية الرأي وانطلاق الفكر، فلا يعرفون الْحَجْر على الآراء، ولا تقديس رأي الفرد مهما علت منزلته.
قال أبو الفتح: «اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص، والمقيص على المنصوص، فأما إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه. وذلك أنه لم يرد ممن يطاع أمره في قرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ، كما جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوله: «أمتي لا تجتمع على ضلالة» وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة، فكل من فرق له عن علة صحيحة، وطريق نهجه كان خليل نفسه، وأبا عمرو فكره» الخصائص ١: ١٨٩ - ١٩٠.
ويقول أبو حيان: لسنا متعبدين بمذهب البصريين.
سيببويه إمام البصريين غير منازع ولا مدافع تعرض كتابه لنقد من نحاة البصرة: الأخفش، المازني، المبرد، وما أكثر ما استعمل المبرد الأسلوب اللاذع في نقد سيبويه، حتى ابن القيم وهو ليس معدودًا في النحاة - يقول في البدائع ٣: ٢٨: «فسيبويه ﵀ ممن يؤخذ من قوله ويترك، وأما أن يعتقد صحة قوله في كل شيء فكلا». ولم يكن هذا صادرًا عن صلف وكبرياء، فللنحويين تواضع عجيب: سيبويه الذي أثار إعجاب الناس بكتابه، وظفر بتقديرهم لم يبدأه بخطبة يكشف فيها عن جهوده، وإنما بدأه بالبسملة ثم دخل إلى الموضوع وكذلك فعل المبرد في «المقتضب».
نظر الخليل في فقه لأبي حنيفة، فقيل له: كيف تراه؟
1 / 14