Studies in Jewish and Christian Religions
دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية
Investigador
-
Editorial
مكتبة أضواء السلف،الرياض
Número de edición
الرابعة
Año de publicación
١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م
Ubicación del editor
المملكة العربية السعودية
Géneros
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته، وبعد:
فإن الله ﷿ أرسل نبيه محمدًا ﷺ على فترة من الرسل، وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ﴿وَإنك لتهدي إلى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاطِ اللهِ الذِي لَهُ ما فى السَّمَوَاتِ وَما فى الأَرْض﴾ الشورى (٥٢-٥٣) فصار الناس فريقين مؤمن، وكافر، فأما المؤمنون فهم فرقة واحدة على سبيل الحق. يهتدون بنور الله ويحتكمون إلى شرعه، فطريقهم نور على نور، إلى أن يبلغوا غاية الأمر ونهايته رضوان الله ﷿ وجنته، وأما الكافرون فهم على سبل متشعبة متفرقة، يجمعهم الكفر وتفرقهم الأهواء والشهوات، فمنهم الملحد الذي يتعامى عن ربه، ويتخبط الدنيا على غير هدى من شرع إلهي،
1 / 3
ومنهم الوثني الذي ضل عن ربه فعبد ما لا يغني ولا يسمن من جوع، ومنهم اليهودي الذي أضله الله على علم وختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة، وأعماه الكبر والحسد، وتخبطه الشيطان حتى أعرض عن الحق، وتمرَّغ بالباطل وجابه ربه بكل خلق رذيل وطبع مشين، فاستحق غضب الله ولعنته، ﴿وَمَا ظَلَمَهُمْ الله وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾ آل عمران (١١٧) .
ومنهم النصراني عابد الصليب، اتخذ إلهه هواه حتى عدّ الوثنية دينًا حقًا، والشرك توحيدًا، وقال في الله قولًا عظيمًا، يضاهي بذلك قول الذين كفروا من قبل وضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، وزين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنًا، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وما ربك بظلام للعبيد، والمسلم صاحب دعوة وحق، لا يغره كثرة الهالكين ولا قلة السالكين، إذ هو يسير بنور الله ﷿ وهدايته، والمسلم داعية مشفق ناصح، وطبيب ذكي حاذق، ينصح للخلق رغبة في نجاتهم، ويصف الدواء للمريض رجاء الشفاء، ولن يصف الدواء من لم يعرف الداء لهذا صار لزومًا على المسلم الداعية أن يعرف شيئًا من أديان الناس، فإن لذلك عدة فوائد.
أولًا: إن ذلك عامل مساعد للداعية يسهل له دعوة أصحاب الأديان المنحرفة بإبراز مواضع الإنحراف والفساد في دياناتهم، ثم نقلهم إلى ما يقابلها في الدين الإسلامي ويبرز لهم نصاعة الإسلام وسلامته من التحريف في مصادره، وانسجامه مع الفطرة البشرية السليمة في عقيدته وعبادته وتشريعاته.
ثانيًا: إن المنصرين غزو كثيرًا من مناطق المسلمين، يبثون سمومهم، ويتصيدون الجهلة من المسلمين والبسطاء لتنصيرهم، فبمعرفة المسلم لديانة
1 / 4
مقدمة
المقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته، وبعد:
فإن الله ﷿ أرسل نبيه محمدًا ﷺ على فترة من الرسل، وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ﴿وَإنك لتهدي إلى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاطِ اللهِ الذِي لَهُ ما فى السَّمَوَاتِ وَما فى الأَرْض﴾ الشورى (٥٢-٥٣) فصار الناس فريقين مؤمن، وكافر، فأما المؤمنون فهم فرقة واحدة على سبيل الحق. يهتدون بنور الله ويحتكمون إلى شرعه، فطريقهم نور على نور، إلى أن يبلغوا غاية الأمر ونهايته رضوان الله ﷿ وجنته، وأما الكافرون فهم على سبل متشعبة متفرقة، يجمعهم الكفر وتفرقهم الأهواء والشهوات، فمنهم الملحد الذي يتعامى عن ربه، ويتخبط الدنيا على غير هدى من شرع إلهي،
1 / 3
ومنهم الوثني الذي ضل عن ربه فعبد ما لا يغني ولا يسمن من جوع، ومنهم اليهودي الذي أضله الله على علم وختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة، وأعماه الكبر والحسد، وتخبطه الشيطان حتى أعرض عن الحق، وتمرَّغ بالباطل وجابه ربه بكل خلق رذيل وطبع مشين، فاستحق غضب الله ولعنته، ﴿وَمَا ظَلَمَهُمْ الله وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾ آل عمران (١١٧) .
ومنهم النصراني عابد الصليب، اتخذ إلهه هواه حتى عدّ الوثنية دينًا حقًا، والشرك توحيدًا، وقال في الله قولًا عظيمًا، يضاهي بذلك قول الذين كفروا من قبل وضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، وزين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنًا، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وما ربك بظلام للعبيد، والمسلم صاحب دعوة وحق، لا يغره كثرة الهالكين ولا قلة السالكين، إذ هو يسير بنور الله ﷿ وهدايته، والمسلم داعية مشفق ناصح، وطبيب ذكي حاذق، ينصح للخلق رغبة في نجاتهم، ويصف الدواء للمريض رجاء الشفاء، ولن يصف الدواء من لم يعرف الداء لهذا صار لزومًا على المسلم الداعية أن يعرف شيئًا من أديان الناس، فإن لذلك عدة فوائد.
أولًا: إن ذلك عامل مساعد للداعية يسهل له دعوة أصحاب الأديان المنحرفة بإبراز مواضع الإنحراف والفساد في دياناتهم، ثم نقلهم إلى ما يقابلها في الدين الإسلامي ويبرز لهم نصاعة الإسلام وسلامته من التحريف في مصادره، وانسجامه مع الفطرة البشرية السليمة في عقيدته وعبادته وتشريعاته.
ثانيًا: إن المنصرين غزو كثيرًا من مناطق المسلمين، يبثون سمومهم، ويتصيدون الجهلة من المسلمين والبسطاء لتنصيرهم، فبمعرفة المسلم لديانة
1 / 4
هؤلاء المنصرين يستطيع أن يبين للمسلمين فساد دعوتهم، والانحراف الديني الذي هم عليه، وخبث مقاصدهم ونياتهم.
ثالثًا: إن النظرة الفاحصة الواعية لما عليه الأديان غير الإسلام تزيد المسلم يقينًا بدينه، إذ يظهر له تميز الإسلام ورفعته، وأنه الدين الذي قام ولا يزال على التوحيد الخالص، والعبادة الحقة لله ﷿ والشرع الصالح للبشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما يتضح له سلامة مصادر الإسلام من التحريف الذي وقع في مصادر الأديان الأخرى.
رابعًا: الوقوف على تحريف أصحاب الأديان الباطلة لأديانهم وابتداعهم فيه تصديق لخبر الله؟عز وجلعنهم، كما أن الإيمان بخبر الله عنهم يصبح إيمانًا مفصلًا بعد أن كان إيمانًا مجملًا.
خامسًا: معرفة تاريخ تلك الأديان وواقعها يتبين به المسلم مدى الانحراف الذي وقع فيها، وأسبابه، فيجتنب هذه الأسباب، ويحرص على المحافظة على السنة، ونبذ البدعة إذ البدعة من أبرز أسباب الانحراف في العبادة والتشريع لدى الأديان الأخرى.
لهذا سأعرض بإذن الله تعالى في هذه الدراسة الموجزة لليهودية والنصرانية فأشرح ما يتعلق بكل واحدة منهما من ناحية كتبها ومصادرها وعقيدتها وبعض المسائل الأخرى المتعلقة بهما، وذلك بيانًا للباطل وتحذيرًا منه ونصرة للحق ودعوة إليه، كما قدمت مدخلا فيه مقدمة عن الدين من ناحية تعريفه وباعثه ونشأة علم الأديان.
وأسأل الله ﷿ أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصًا لوجهه الكريم.
1 / 5
مدخل إلى دراسة الأديان
أولًا: تعريف الدين
الدين في اللغة: مشتق من الفعل الثلاثي دان وهو تارة يتعدى بنفسه، وتارة باللام، وتارة بالباء، ويختلف المعنى باختلاف مايتعدى به.
فإذا تعدى بنفسه يكون "دانه" بمعنى ملكه، وساسه، وقهره وحاسبه، وجازاه.
وإذا تعدى باللام يكون "دان له" بمعنى خضع له، وأطاعه.
وإذا تعدى بالباء يكون "دان به" بمعنى اتخذه دينًا ومذهبًا واعتاده، وتخلق به، واعتقده١.
وهذه المعاني اللغويه للدين موجودة في "الدين" في المعنى الإصطلاحي كما سيتبين لأن الدين يقهر أتباعه ويسوسهم وفق تعاليمه وشرائعه، كما يتضمن خضوع العابد للمعبود وذلته له، والعابد يفعل ذلك بدوافع نفسية ويلتزم به بدون إكراه أو إجبار.
الدين في الإصطلاح: اختلف في تعريف الدين اصطلاحًا اختلافًا واسعًا حيث عرفه كل إنسان حسب مشربه، ومايرى أنه من أهم مميزات الدين.
فمنهم من عرفه بأنه "الشرع الإلهي المتلقى عن طريق الوحي" وهذا تعريف أكثر المسلمين.
_________
١ انظر: لسان العرب (٢/١٤٦٧)، وانظر: كتاب"الدين" محمد عبد الله دراز ص٣٠- ٣١.
1 / 9
ويلاحظ على هذا التعريف قصره الدين على الدين السماوي فقط، مع أن الصحيح أن كل مايتخذه الناس ويتعبدون له يصح أن يسمى دينًا، سواء كان صحيحًا، أو باطلًا، بدليل قوله ﷿: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين﴾ آل عمران (٨٥) .
وقوله؟﷿: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِين﴾ الكافرون (٦)، فسمى الله ما عليه مشركي العرب من الوثنية دينًا.
أما غير المسلمين فبعضهم يخصصه بالناحية الأخلاقية كقول "كانت"١ " بأن الدين هو المشتمل على الإعتراف بواجباتنا كأوامر إلهية".
وبعضهم يخصصه بناحية التفكر والتأمل كقول رودلف إيوكن "الدين هو التجربة الصوفية التي يجاوز الإنسان فيها متناقضات الحياة ٢ " إلى غير ذلك من التعريفات التي نظرت إلى الدين من زاويه. وتركت أوجهًا وزوايا عدة.
وأرجح التعريفات أن يقال:
الدين: هو إعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلًا وحبًا، رغبة ورهبة.
فهذا التعريف فيه شمول للمعبود، سواء كان معبودًا حقًا. وهو الله ﷿، أو معبودًا باطلا وهو ما سوى الله ﷿.
_________
١ كانت (عمانوئيل) فيلسوف ألماني.ذهب إلى أن الإنسان لا يدرك ماهية الأشياء، بل
يدرك ظواهرها الحسية في الزمان والمكان. توفي سنة ١٨٠٤م. المنجد في الأعلام ص٥١٣.
(٢) انظر هذه التعريفات في كتاب الدين د. محمد عبد الله دراز ص (٣٣-٣٦) وكتاب "الإنسان والأديان" للدكتور محمد كمال جعفر ص١٦-١٨.
1 / 10
كما يشمل أيضا العبادات التي يتعبد الناس بها لمعبوداتهم سواء كانت سماوية صحيحة كالإسلام، أولها أصل سماوي ووقع فيها التحريف والنسخ كاليهودية، والنصرانية.
أو كانت وضعية غير سماوية الأصل كالهندوكية، والبوذية، وعموم الوثنيات.
كما يبرز التعريف حال العابد إذ لابد أن يكون العابد متلبسًا بالخضوع ذلًا وحبًا للمعبود حال العبادة، إذ أن ذلك أهم معاني العبادة.
ويبين التعريف أيضًا هدف العابد من العبادة، وهو إما رغبة أو رهبة، أو رغبة ورهبة معًا، لأن ذلك هو مطلب بني آدم من العبادة. والله أعلم.
1 / 11
ثانيًا: تقسيم الأديان
تنقسم الأديان التي يدين بها البشر باعتبار النظر في المعبود إلى قسمين:
القسم الأول: أديان تدعو إلى عبادة الله
وهي في الدرجة الأولى الإسلام، ثم يليه اليهودية، أما النصرانية فإن واقعها وحقيقتها الشرك، وهو عبادة المسيح ﵇ والروح القدس مع الله تعالى، إلا أن أصحابها يزعمون أنهم يعبدون الله الواحد ذو الثلاثة أقانيم- كما سيأتي تفصيل ذلك.
القسم الثاني: أديان وثنية شركية تدعو إلى عبادة غير الله ﷿
وهي: الهندوكية والبوذية وغيرها من الشركيات القديمة والحديثة. والنصرانية يمكن اعتبارها من هذا القسم على اعتبار عبادتهم للمسيح والروح القدس.
1 / 12
ثالثًا: علم الأديان في القرآن الكريم وكتابة المسلمين فيه:
القرآن الكريم كتاب أنزله الله ﷿ لهداية البشرية جمعاء وهو خاتم الكتب السماويه، وهو كتاب دعوة وهداية لهذا ذكر الله ﷿ فيه أديان الناس السابقة والمتزامنة مع نزوله، لأن ذلك وسيلة من وسائل دعوة أصحاب الأديان، فإن عرض ما هم عليه من الباطل وبيان أوجه بطلانه مع عرض الحق والتركيز على مميزاته، وأوجه رجحانه.
كل ذلك مما ينير الأذهان التي غلفها التقليد، والجهل، والهوى، ويفتح أمامها أفاق المعرفة السليمة من أجل المقارنة والموازنة ثم الإيمان عن اقتناع ويقين.
وإذا نظرنا في القرآن الكريم نجد أنه حوى من ذلك الشيء الكثير.
فمن ذلك أن الله ﷿ قد حصر الأديان التي عليها الناس في قوله ﷿ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الله عَلَى كُلِ شَيء شَهِيد﴾ الحج آيه (١٧)
فأديان البشر لاتخرج عن واحد من هذه وهي: الإسلام، واليهودية والصابئة ١، والنصرانية، والمجوسية٢، والوثنية.
_________
(١) الصابئة اختلف فيهم اختلافًا عريضًا، وأنقل هنا كلام غضبان رومي أحد الصابئة في كتابه عن جماعته فمما ذكر عنهم: "أنهم يؤمنون بالله ربًا وخالقًا " ويشركون مع الله في العبادة بدعاء الأنبياء والملائكه، ويعتقدون أن عالم الأنوار وهم من الملائكة وبعض الأنبياء يمنح الخالق بواسطتهم للناس الهداية والصحة والقوة والفضيلة، ويؤمنون بالحساب بعد الموت مباشرة فالصالحون عندهم يذهبون إلى عالم الأنوار، والمذنبون إلى عالم الظلام أو النار الموقده ولا يعتقدون ببعث الأجساد، ويؤمنون من الأنبياء بآدم وشيث وإدريس وسام وإبراهيم ويحيى ويصلون إلى الشمال ناحية القطب الشمالي ويوجد الآن منهم قرابة ثلاثين ألفًا في العراق - هؤلاء هم الذين يسمون الصابئه المندائية. وهناك صابئة حران،وهم وثنيون يعبدون الكواكب وقد انقرضوا ولم يبق إلا المندائية. انظر كتاب "الصابئة" ص٢٦،٢٧،٣٠،٦٠،٩٣،١٤٦.
٢ المجوس: هم القائلون بأن الله خالق الخير وهو النور وخرجت الظلمة من النور، ويعبدون النار ويسجدون للشمس إذا طلعت. انظر الملل والنحل (١/٢٣٣)، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص٥٧.
1 / 13
كما ذكر الله ﷿ الأنبياء ﵈ وأبان أن دعوتهم كانت واحدة وهي الدعوة إلى التوحيد قال ﷿: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُول إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاْعُبُدون﴾ الأنبياء آية (٢٥)
وقال ﷿ ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِ أُمَّة رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت﴾ النحل آية ١٦
وأن دينهم واحد وهو الإسلام قال ﷿ عن نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل ﵉ ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِيَتِنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَكَ﴾ البقره آية (١٢٨) .
وقال عن نبيه إبراهيم ويعقوب ﵉ ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِ الْعَالَمِيَن وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ياَ بني إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُون﴾ البقرة آية (١٣٤)
وقال ﷿ ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُم بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَلُوا إِنْ كُنْتُم مُسْلِمِين﴾ يونس آية (٨٤) .
وقال ﷿ ﴿قاَلَ الْحَوَارِيُونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله آمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون﴾ . آل عمران آية (٥٢) .
كما ذكر الله ﷿ مجادلة الأنبياء لأقوامهم وإقامتهم للحجة عليهم من أوجه عديدة.
1 / 14
وذكر الأديان التي يدين بها الناس، فذكر الديانة التي أنزلت على موسى ﵇ وذلك في آيات عديدة أيضا ومن المثال على ذلك:
قوله ﷿ ﴿فَلَمَّا أَتَاَها نودي يَا مُوسَى إني أَنَا رَبُكَ فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّس طُوَى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إنني أَنَا الله لا َإِلَهَ إِلاَّ أَنَا فاعبدني وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْري إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَة أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُ نَفْس بِمَا تَسْعَى فَلا يَصُدَنَّكَ عَنْهَا مَن لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاُه فَتَرْدَى﴾ طه آية (١٢-١٧)
وذكر الله ﷿ انحراف بني إسرائيل وكفرهم وتحريفهم لكلام الله في آيات عديدة منها قوله ﷿ ﴿وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون﴾ آل عمران آية (٧٨)
وقال ﷿ ﴿وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون﴾ المائدة (٦٢-٦٣) .
وذكر الله ﷿ النصارى وعقائدهم وانحرافاتهم في آيات عديدة منها قوله ﷿ ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم﴾ المائده (٧٢) .
﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسَّن الذين كفروا منهم عذاب أليم﴾ المائده آية (٧٣) .
كما ذكر أقوالًا أخرى عديدة لهم في المسيح وأمه وذكر ادعاءهم صلبه
1 / 15
وأبان عن الحق في كل ذلك.
وإضافة إلى أقوال أصحاب الديانات ذكر الله ﷿ أيضًا أصول بعض تلك المقالات المنحرفة فمن ذلك قوله ﷿ ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنَّى يؤفكون﴾ التوبة آية (٣١) .
فبين سبحانه أن هذه المقالة اقتبسها اليهود والنصارى من الكفار قبلهم، وهذا أمر ثابت واضح لكل من نظر في الأديان السابقة على اليهودية والنصرانية فإنه سيجد ادعاء الولد لله- تعالى الله عن ذلك - منتشرًا لدى الكفار من الفراعنة واليونان والرومان وغيرهم.
كما ذكر الله؟﷿ المشركين الوثنيين فذكر عباداتهم وآلهتهم في مثل قوله ﷿ ﴿أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى﴾ النجم (١٩-٢٠) .
وقال ﷿ ﴿أتدعون بعلًا وتذرون أحسن الخالقين﴾ الصافات (١٢٥)
كما ذكر حججهم مجملة ومفصله، فمن المجملة قوله ﷿ ﴿ألم يأتكم نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين﴾ إبراهيم (٩-١٠)
ومن حجج المشركين المفصله وجدالهم لأنبيائهم ﵈ قوله ﷿
1 / 16
﴿وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاؤا إنك لأنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقًا حسنًا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ... إلى قوله: قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفًا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب﴾ هود آية (٨٤-٩٣)
كما عقد جل وعلا المقارنات العديدة بين الحق والباطل ليفسح المجال أمام العقل للمقارنة والموازنة من ذلك قوله؟﷿ ﴿أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾ يوسف آية (٣٩)
وقوله ﷿ ﴿أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون إن الذين تدعون من دون الله
1 / 17
عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم أذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين﴾ الأعراف (١٩١-١٩٦) .
كما ذكر الله ﷿ الملاحدة الذين ينكرون وجود الخالق وينكرون بالتالي الأديان حيث ذكر إمامهم فرعون في مواطن كثيرة منها قوله ﷿ ﴿وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحًا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين﴾ القصص (٣٨)
بل بين سبحانه أن فرعون هو إمام الإلحاد وذلك في قوله ﷿ ﴿وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين﴾ القصص (٤٢-٤٣)
فبين سبحانه أن فرعون وأتباعه هم أئمة الدعاة إلى النار، ولاشك أن أعظم الدعاة إلى النار هم الفلاسفة الملاحدة والمؤلهة منهم. وهذا خلاف ما هو مشتهر لدى كثير من الناس من عزو الفلسفة والإلحاد إلى فلاسفة اليونان فإن الصحيح أن الفراعنة كانوا هم أئمة اليونان في هذا، فقد أخذ اليونان فلسفتهم الوثنية عنهم، وكل من نظر في أساطير اليونان وفلسفتهم وكذلك أساطير الرومان الذين ورثوا ذلك عن اليونان، ثم نظر في أساطير وفلسفة الفراعنه قبلهم علم أن هذه الأقوال بعضها من بعض، وإن كان اليونان قد توسعوا في ذلك وانتشرت عنهم تلك الأقوال فنسبت إليهم.
1 / 18
قال د. محمد دراز "لم يبق الآن مجال للشك في أن القدامى من علماء اليونان وفلاسفتهم تخرجوا في مدرسة الحضارات الشرقية، والحضارة المصرية بوجه أخص ١. وليس معنى هذا أن الإغريق (اليونان) كانوا بمثابة أوعية مصمتة نقلت علوم الشرق ومعارفه نقلًا حرفيًا، فذلك ما لا يستسيغه عقل، ولم يقم عليه دليل من صحيح النقل، ولكن المعنى أنهم لم ينشئوا هذه العلوم إنشاءًا على غير مثال سابق كما ظنه بعضهم، بل وجدوا مادتها في الشرق فاقتبسوا منها وأفادوا كثيرًا. وإن قدماء اليونان أنفسهم يذهبون إلى الإعتراف بهذه التلمذة إلى القول بأن عظماءهم أمثال فيثاغورس ٢ وأفلاطون٣ مدينون بأرقى نظرياتهم إلى المدرسة المصرية، والناقدون المحدثون وإن استبعدوا حصول نقل حرفي لهذه النظريات، لم يسعهم إلا التسليم بتبعية هؤلاء الفلاسفة في الدين والأخلاق، للنظريات المصرية٤ ".
_________
١ يؤكد العديد من الباحثين من بداية القرن العشرين أن الفلسفة اليونانية اقتبست مادتها من الفلسفة الشرقية، وخاصة المصرية، ومن هؤلاء: "ذيوجانس اللائرسي" و"أبل ريه"،وغيرهم. ويستدلون لذلك بأشياء عديدة من أهمها: أن طاليس الملطي الذي اشتهر بأنه منشىء الفلسفة اليونانية كان قد جمع علوم البابليين والمصريين، إضافة إلى أن أفلاطون وفيثاغورس قد زارا مصر واستفادا من علومها. انظر في ذلك:موسوعة الفلسفة١/٤١١،٢/١٨٣، الموسوعة الفلسفية ص ٢٧٨، بحوث مقارنات في تاريخ العلم وتاريخ الفلسفة لعمر فروخ ص٦٢، الدين المقارن " بحث في سائر الديانات العالمية" ص١٠٣-١٠٩.
٢ فيثاغورس فيلسوف ورياضي يوناني. عاش مع أتباعه حياة مشتركة في الزهد، يقول بتناسخ الأرواح عاش في القرن ٦ ق. م. انظر المنجد في الإعلام ص٥٣٥.
٣ أفلاطون: من كبار فلاسفة اليونان وهو تلميذ سقراط ومعلم أرسطو توفي سنة ٣٤٧ق. م. المنجد في الإعلام ص٥٥.
٤ الدين، محمد عبد الله دراز، ص١١.
1 / 19
كما أمر الله ﷿ بمجادلة أهل الكتاب لا زالة شبههم وإقامة الحجة عليهم وذلك بالحسنى كما قال ﷿ ﴿وَلاَ تُجَاِدلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالتَّىِ هِيَ أَحْسَن إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ العنكبوت (٤٦) .
كما حكم الله ﷿ في هذا القرآن بين بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه من القضايا الدينية ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُ عَلَى بني إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ النمل (٧٦)
فبرأ الله؟﷿ فيه سليمان؟﵇ مما اتهمه به اليهود من الكفر وأثبت له النبوة التي كانوا ينكرونها، كما برأ مريم ﵂ مما اتهمها به اليهود، وأبان عن حصانتها وعفتها وطهارتها، وبرأ ابنها مما نبزه به اليهود من الكفر والضلال، كما برأه مما ادعاه فيه النصارى من الألوهية والبنوة، ورد على اليهود والنصارى دعوى صلبه، وأخبر أنه أنجاه منهم ورفعه إليه.
فهذه المعلومات الغزيرة والمتنوعة عن الأديان التي وردت في القرآن الكريم، تدل دلالة واضحة على عظيم أهمية هذا العلم في مجال الدعوة إلى الله ﷿، فتنبه لذلك علماء المسلمين فكتبوا في الأديان قاصدين بذلك الدعوة إلى الله من خلال ذلك فكان من أوائل من كتب في ذلك:
علي بن ربن الطبري١ في كتابيه "الرد على النصارى٢ " وكتاب "الدين والدوله في إثبات نبوة النبي ﷺ ٣ ".
_________
١ أبو الحسن علي بن سهل المعروف بـ "ابن ربن الطبري". كان طبيبًا نصرانيًا أسلم زمن المتوكل العباسي وكان حيًا سنة ٢٤٧هـ ولا يعرف سنة وفاته على التحديد. انظر المنجد في الإعلام ص٤٣٤ مقدمة كتاب الدين والدولة ص ٥.
٢ وهو كتاب مفقود وإنما ذكره المؤلف في كتابه "الدين والدولة".
٣ وهو مطبوع بتحقيق عادل نويهض من منشورات دار الآفاق الجديدة في بيروت ويقع الكتاب في ٢١٠ صفحة من القطع المتوسط.
1 / 20
والجاحظ ١في كتابه:" الرد على النصارى"٢. والأشعري٣ في كتابه "الفصول في الرد على الملحدين٤ ". والمسعودي٥ في كتابه " المقالات في أصول الديانات٦". والبيروني٧ في كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذوله٨". وابن حزم٩ في كتابه "الفصل في الملل
_________
١ عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ المعتزلى صاحب كتاب الحيوان توفي سنة ٢٥٥هـ. البداية والنهاية (١١/٢٢) .
٢ هو كتاب صغير مطبوع مع رسائل أخرى باسم "ثلاث رسائل لأبي عثمان الجاحظ". طبع المطبعه السلفيه بالقاهرة، كما طبع باسم "المختار في الرد على النصارى" تحقيق محمد عبد الله الشرقاوي دار الصحوة للنشر والتوزيع بالقاهرة.
٣ علي بن إسماعيل أبو الحسن الأشعري ولد سنة ٢٦٠ هـ وتوفى سنة ٣٣٠هـ، وهو الذي تنتسب إليه الأشاعره. سير أعلام النبلاء (١٥/٨٥) .
٤ ذكر الكتاب الذهبي في السير (١٥/٨٧) وابن عساكر في تبين كذب المفترى ص١٢٨ وقال عنه " رد فيه على البراهمة واليهود والنصارى والمجوس، وهو كتاب كبير،يشتمل على اثنى عشر كتابًا" وهو في حكم المفقود.
٥ أبو الحسن على بن الحسين بن علي المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب توفي سنة ٣٤٥هـ سير أعلام النبلاء (١٥/٥٦٩) .
٦ ذكر الكتاب المسعودي نفسه في كتابه المشهور "مروج الذهب"، ويتحدث في كتابه عن صابئة الصين وصابئة المصريين وعن المذاهب النصرانية ومذاهب الوثنية والمجوس وغير ذلك. انظر منهج المسعودي في بحث العقائد والفرق الدينية ص٥٢.
٧ محمد بن أحمد ابو الريحان البيروني الخوارزمي فيلسوف رياضي مؤرخ، أقام في الهند بضع سنين وصنف كتبًا كثيرة جدًا توفي في خوارزم سنة ٤٤٠هـ. الأعلام للزركلي (٥/٣١٤) .
٨ هو كتاب كبير مطبوع بمطبعة دائرة المعارف العثمانية الهندية ١٣٧٧هـ، ويتحدث فيه مؤلفه عن أديان الهند وعادات أهلها وأخلاقهم.
٩ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أبو محمد إمام في الفقه وكان من بيت وزراة ورياسة توفي سنة ٤٥٦هـ انظر البداية والنهاية (١٢/٩٩) .
1 / 21
والأهواء والنحل١". والشهرستاني٢ في كتابه "الملل والنحل٣".والقرافي٤في كتابه "الأجوبة الفاخره عن الأسئلة الفاجره٥"وشيخ الإسلام ابن تيميه٦ في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح٧".
وغيرها كثير أرسى به المسلمون قواعد هذا العلم حيث أوردوا عقائد أصحاب الديانات وعباداتهم ونقلوا ذلك عن كتبهم ومصادرهم المعتبرة لديهم وناقشوهم فيها وأبانوا عن بطلان أقوالهم وأقاموا الحجة عليهم بالأدلة النقلية والعقلية، وسلكوا في ذلك منهجًا دعويًا متأسين بذلك بالقرآن الكريم.
وقد سبق المسلمون في هذا المضمار الغربيين الذين لم يعتنوا بهذا العلم إلا في العصور المتأخرة بعد ما يسمى بعصر النهضة في القرنين ١٥،١٦م.
لأن النصارى بعد عصر النهضة وابتداء عصر الإستعمار أخذوا يرسلون
_________
١ وهو كتاب كبير مطبوع في مصر، مكتبة الخانجي وقد رد فيه مؤلفه على النصارى واليهود إضافة إلى كلامه عن الفرق.
٢ أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني الشافعي الفيلسوف والمتكلم المتوفي سنة ٥٤٨هـ. الأعلام (٦/٢١٥) .
٣ وهو كتاب كبير الحجم مطبوع في مجلدين بتحقيق محمد سيد كيلاني مطبعة الباب الحلبي.
٤ أبو العباس شهاب الدين أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري المشهور بالقرافي من كبار المالكيه وهو صاحب كتاب الذخيره في المذهب المالكي توفي سنة ٦٨٤هـ. الأعلام ١/٩٤.
٥ هو كتاب مطبوع بدار الكتب العلميه في بيروت وقد رد مؤلفه على النصارى حيث احتجوا في رسالة لهم بالقرآن على صحة مذهبهم فرد المؤلف على صاحب الرسالة النصراني بهذا الكتاب.
٦ شيخ الإسلام الامام العالم تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيميه المتوفى سنة ٧٢٨هـ انظر البداية والنهاية (١٤/١٤٨.
٧ وهو كتاب مطبوع في مجلدين كبيرين،طبعته مطابع المجد التجارية. كما طبعته دار العاصمة في الرياض في ستة مجلدات تحقيق د/ عبد العزيز العسكر وزملائه.
1 / 22
البعوث من رجال دينهم إلى الشرق الأدنى والأقصى، للإطلاع على ديانات الناس والتعرف عليها والكتابة فيها وتلك البعوث لم تكن في الواقع إلا طلائع الاستعمار.
ومن الأشياء الجديدة التي استطاع الغربيون إضافتها إلى هذا العلم، البحث في الديانات القديمة، وساعدهم على ذلك التنقيب عن الآثار، وتعلم اللغات القديمه، فأفادوا في هذا الباب معرفة ديانات الأقوام القديمة التي اندثرت.
فأكملوا بذلك ما كان بدأه المسلمون، مع أن المسلمين يتميزون عن الغربيين أن بين أيديهم مرجعًا عظيمًا قد حوى في هذا الباب علمًا جمًا ذا دلالات مفيدة نافعة لهداية الإنسان ومصلحته الدينيه، ذلك هو الوحي الإلهي في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وهو مصدر علمي معصوم من الخطأ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيعصم العقل البشري من البحث في علوم لا تعود بفائدة على الإنسان في دينه أو دنياه، كالبحث في أديان أقوام غبرت واندثرت من أهل الشرق والغرب.
كما يعطيه المعلومات الصحيحة عن أمور لا يمكن للبشر التوصل إليها والقطع فيها بالحق إلا بالعلم الألهي كما في بحثهم في نشأة التدين وباعثه –كما سيأتي- فإن البحث في ذلك كثير منه هو من باب التخرص إذا لم يستند إلى الوحي الإلهي.
1 / 23