وبعد أن تناول الاثنان كئوس الشراب وطعاما دسما متقن الطهي تخللته كئوس الأنبذة المعتقة، وبعد أن زالت الكلفة بينهما ... أخذ تشرشل يتحدث عن «تصفية» الكولاك والقضاء عليهم.
وقال له ستالين وهو يشير إليه بأصابعه العشرة: لقد كانوا عشرة ملايين ... لقد كان الأمر مرعبا ... استغرق أربع سنوات!
ويقدر عدد الذين قضى عليهم ستالين، بخلاف الكولاك، بنحو 7 مليون شخص ما بين قتيل ومنفي في سيبيريا، ولا شك أنه كان بين هذا العدد كثير من الأبرياء، كما كان بينهم قدامى زعماء الحزب البولشفيكي ممن كان يتمثل فيهم الخطر على زعامته وسلطته.
واستطاع هو نفسه بعد ذلك أن ينام نوما هادئا، فقد كان الجيل الجديد من أعضاء الحزب من طبقة الموظفين الضعاف الذين يتحكم فيهم الخوف، كان يميل إلى اختيار «الفعالين» المنفذين ويكره المفكرين والمتطلعين للمثل العليا والآراء النظرية.
أما ستالين نفسه فكان عبقريا في فن الإدارة، كما أنه كان ذا مقدرة عجيبة على تدارك أخطائه أو دفنها، ولا شك أن الأمر كان يتطلب مهارة خاصة في اختيار المخلصين، والبحث عن نواحي نبوغهم، ثم التغلب بعد ذلك على أطماعهم؛ إما بالمكافأة أو الإهمال، وإما بالمديح أو الإغراء، وإما ببث الأمل أو التهديد، وكان ستالين ماكرا يزن الأمور والتيارات المختلفة ويرقى دائما فوق الأحداث في غير تسرع.
ولم يفته، أو قل: إنه لم ينس زعيم اليساريين الذي كان يعيش بعيدا عنه في عالم آخر، فأرسل إليه شيوعيا إسبانيا اسمه ميركادير، وساعده أحد أعضاء الحزب الشيوعي في نيويورك، واشترك الاثنان في مقتل تروتسكي في مكسيكو سيتي، بعد أن ذرعا نصف الكرة الأرضية في سبيل الوصول إليه.
وكان من أظرف ما رواه خروشيشيف في خطابه المشهور الذي ندد فيه بستالين وكشف الستار فيه عن أساليبه، تلك القصة التي ذكر فيها أنه في إحدى المناسبات أثناء سفره مع بولجانين بالسيارة، قال له بولجانين هذه العبارة:
لقد كان يحدث أحيانا أن يذهب المرء إلى منزل ستالين بدعوة منه كصديق، ولكنه بعد أن يجلس مع ستالين لا يعرف إلى أين سيرسل به في نهاية الدعوة ... فهل يعود إلى منزله أم إلى السجن؟
ولم يكن للعاطفة تأثير على تصرفاته، بل لقد قال البعض: إنه إذا كان للصخر عاطفة فلستالين عاطفة ... وإذا كانت له أعصاب فإنها تجري في جلمود!
ومع ذلك فقد كان يبدو إنسانا حساسا في بعض الأوقات، ولما ماتت زوجته الثانية في عام 1932 لم يقم بإحراق جثتها، بل دفنها في قبر فاخر في دير «العذارى الجدد» الذي كان مقبرة للأرستقراطية القديمة. وأعد له مدخلا سريا خاصا، وكان يزوره بالليل، وقد برر البعض تصرف ستالين هذا بأن ضميره كان يؤنبه دائما على موت هذه الزوجة الثانية التي كان يحبها ...
Página desconocida