وحرضوه على أن يقضي على الفتنة، فصاح: «أطلقوا النار»، ولكن أحدا لم يجبه، وقفز أحد الضباط إلى الأرض، ثم أسرع إلى المدفعي وسأله: «لماذا لا تطلق النار؟» فأجاب الجندي وهو يبكي: إنهم إخواننا يا صاحب السعادة!
وصفعه الضابط، ثم أوقد الشعلة، وأطلق النار، ولكنه كان قد صوب إلى هدف عال، فانطلقت القنبلة لتصيب نوافذ الطابق الثاني من مجلس الشيوخ ... على أن تصويب الطلقة الثانية كان أفضل من الأولى، فقد انقسمت صفوف الثوار وأخذوا في الهرب.
إنهم لم يكونوا على استعداد لقنابل المدفعية، فتفرقوا إلى كل اتجاه، وتجمع أغلبهم على أرصفة نهر النيفا الذي تجمدت مياهه، وحاولوا عبوره، وتساقطت القنابل حولهم، فأخذت تكسر الثلوج وتذيبها ... وغرق كثيرون منهم.
وهكذا قضي على أول ثورة روسية. (2) ثورة أكتوبر 1917 (وانقضى ما يقرب من قرن من الزمان ...)
منذ أربعين عاما انهارت القيصرية في روسيا فجأة بعد أن ظلت صخرة عاتية من الحكم المطلق استعصت على كافة قوى التحرر التي نشأت في أوروبا الغربية، وقبل سقوط القيصرية بقليل شهدت روسيا حركة تمثلت في مظاهرات تجوب الشوارع، ثم انقلبت إلى ثورة ناجحة حين رفضت حامية بتروجراد عاصمة روسيا آنئذ إطلاق النار على المتظاهرين، بل وانضموا إليهم.
وكانت هذه الثورة من الأهمية بمكان لم يسبقها إليه غيرها من الثورات التي عرفها التاريخ، ولم تبذل فيها البلشفيك - كما كان الشيوعيون يسمون أنفسهم آنذاك - أي جهد ولا تدبير.
أما زعماؤهم فإن لينين - وهو أشهرهم - كان إذ ذاك في زيوريخ، وكان تروتسكي صحفيا مغمورا يكتب مقالات بأجر بخس لصحيفة روسية كانت تصدر في نيويورك، وكان ستالين منفيا في سيبيريا، وكان البلشفيك أقلية ضئيلة في سوفييت (مجلس) مندوبي العمال، الذي أصبح هيئة قوية صاحبة سلطان بعد سقوط القيصرية.
وبعد سقوط القيصرية كان هناك اتفاق على أمر واحد؛ وهو أن روسيا يجب أن تتحرر، ونشأت حكومة مؤقتة، برنامجها ما يلي:
العفو الشامل عن الجرائم السياسية والدينية، وحرية القول، وحرية الصحافة والاجتماع والإضراب وتأليف النقابات، وإلغاء كل تفرقة بسبب الدين أو القومية، والإعداد لتشغيل جمعية تأسيسية بالاقتراع السري العام المباشر تضع الدستور وتشكل الحكومة.
كان هذا بمثابة مشروع لإقرار الديموقراطية، ولم يكن في وسع الشيوعيين أن يضيفوا شيئا إلى هذه الضمانات والحريات المدنية.
Página desconocida