كان قد مات لها ولداها الأولان وهما في سن صغيرة، فلما جاء الثالث - وهو جوزيف - أخذت تدلله كما تدلل كل أم ابنها الأوحد، ومن جوزيف ابتدعت الأم اسما صغيرا لتدليل ابنها، وكان الاسم الذي وقع عليه اختيارها هو «صوصو». وقد ظلت كاترين تنادي ستالين باسم «صوصو» حتى بعد أن بلغ شأنا كبيرا في روسيا ... بل في العالم.
وكانت الأم تحلم بأن تجعل من ابنها قسيسا؛ ولذلك فإنها أودعته المدرسة الدينية في جورى التي لم تكن تزيد في حجمها عن حجم أي ضاحية لا يزيد عدد سكانها عن خمسة آلاف نسمة.
وتحدثت الأم عن ابنها يوما فقالت: «لقد كان دائما ولدا طيبا، لم يستلزم الأمر يوما ما أن أوقع عليه عقوبة، كان يستذكر دائما بعزم، ويقضي وقته إما في القراءة أو في الحديث، محاولا أن يفهم كل شيء، وقد التحق بالمدرسة وهو في سن الثامنة من عمره.»
وهذه هي أهم المعلومات الدقيقة المعروفة عن طفولته بغض النظر عما نشره فيما بعد كثيرون من زملائه وتلاميذه مما يجب أن يتناوله المؤرخ بمنتهى الحذر. •••
وكانت يقظة ستالين الثورية يقظة مبكرة؛ لأنها بدأت في 1894 في تلك المدرسة اللاهوتية التي ألحق بها في تيفليس، فقد ثار ضد «النظم القاسية والنظام الجزويتي» الذي كانت تسير عليه المدرسة الدينية، وفضل على تلك الدراسات الدينية أن يشترك في الاجتماعات العامة التي كانت تعقد في المدينة، كما أخذ يقرأ سرا مؤلفات فيكتور هيجو وداروين وكارل ماركس.
وفي عام 1899 غادر المدرسة اللاهوتية نهائيا لكي يصبح ثوريا محترفا، وفي هذا الوقت بالذات كان لينين قد دخل السجن لأول مرة.
وهكذا يمكن اعتبار أن حياته السياسية قد بدأت في عام 1898؛ إذ تكون في هذا العام الفرع الروسي للدولية الثانية، فانضم ستالين إلى شعبة تفليس لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وتحدث أحد الذين أرخوا له فوصف شكله وقال عنه: «الملامح، على وجهه ملامح الجرأة ... وكان يسير مرفوع الرأس! ...»
وفي عام 1926 خطب ستالين في مدينة تفليس، وتحدث عن نفسه فقال: لا أزال أذكر عام 1898 حين عرض علي عمال ورش السكك الحديدية رئاسة ناديهم، وقد مضى اليوم على ذلك 28 عاما، ولكنني لا أزال أذكر كيف كنت أجتمع في منزل الزميل ستوروا بدجبيلادزيه، وتشوريد شفيلي، وبوتشريد شفيلي، وغيرهم من العمال التقدميين ... وهناك كنت أتلقى دروسا عملية، ولو قارنت نفسي بهؤلاء لأدركت أنني كنت في ذلك الوقت صفرا من ناحية الشمال. •••
ربما كنت إذ ذاك أكثر علما من كثيرين من هؤلاء الزملاء، ولكنني كنت لا أزال حدثا في فنون الجهاد العملي ... وعلى يد هؤلاء صرت «صبيا» في فنون الثورة؛ إذ تتلمذت عليهم ... فأنتم ترون أن أساتذتي الأوائل كانوا عمال تفليس ... واسمحوا لي الآن أن أعبر لهم عن اعترافي بالجميل ... كزميل.
وأذكر بعد ذلك الأعوام التي انقضت من 1905 إلى 1907 حين ألقوا بي للعمل في «باكو» بأمر الحزب؛ فقد كان لهذه الأعوام التي قضيناها هناك في التمهيد للثورة أعظم الأثر في نفسي؛ إذ جعلت مني جنديا عمليا ومحركا ...
Página desconocida