والأمر الذي حرصنا على أن نؤكده في هذا كله هو أن اسپينوزا، لم يكن في حياته ذلك الزاهد في الحياة عن إنكار أو كراهية لها، كما أنه لم يكن ذلك المفكر المنعزل الغارق في تأملاته بين جدران أربعة، بل كان محبا للحياة، حريصا على المشاركة في شئون مجتمعه والتفاعل الإيجابي بها، ولم يكن في ذلك بالطبع ما يتنافى مع رغبته في التفرغ لعمله العلمي بالاعتزال عن الناس من آن لآخر فترات طويلة.
وفي إحدى فترات عزلته هذه، اشتد عليه المرض الذي كان يعانيه فترة طويلة، وهو علة في الرئة ربما كانت سرطانا أو التهابا حادا، يرجح أن سببه هو استنشاقه المستمر لغبار زجاج العدسات التي كان يصقلها، ثم حلت نهايته فجأة، وبهدوء تام، يوم الأحد 21 فبراير سنة 1677م. (1) مؤلفات اسپينوزا
نشر اسپينوزا أثناء حياته كتابين فقط، ولم يصدر باسمه سوى واحد منهما فقط، هو «مبادئ الفلسفة الديكارتية»
Renati Descartes Principia Philosophiae ، وملحقه الصادر بعنوان «أفكار ميتافيزيقية
Cogitata Metaphysica ». وقد نشر هذا الكتاب في أمستردام عام 1663م، وقدم له صديق اسپينوزا، الطبيب لودڨيك ماير وهذا الكتاب يمثل عرضا لفلسفة ديكارت بالمنهج الهندسي المفضل لدى اسپينوزا ورغم أن شخصية اسپينوزا ذاته لا تظهر بوضوح في هذا الكتاب، فإن المرء يستطيع أن يلمحها هنا وهناك في أفكار منفصلة، ولا سيما في ملحق الكتاب.
أما الكتاب الثاني فهو «البحث اللاهوتي السياسي»
Tractatus Theologico-Politicus ، ورغم أن هذا الكتاب قد نشر في أمستردام عام 1670م، فإن اسپينوزا بالغ في الاحتياط إذ نشره غفلا من اسمه، وكتب على الغلاف أنه طبع في هامبورج، والكتاب يتضمن بحثا مفصلا لموضوع حرية الفكر، ولا سيما في الموضوعات الدينية، ويهدف إلى تأكيد ضرورة فصل الدين عن الدولة، ويحمل بشدة على كل حكم سياسي يدعي أنه يستمد سلطته من مصدر إلهي. وهكذا كانت موضوعات الكتاب - التي سنتناولها فيما بعد بالتفصيل - شائكة إلى حد يبرر تماما حذر اسپينوزا عندما أراد إخفاء اسمه، وإن تكن شخصيته قد عرفت بعد مضي وقت غير طويل.
وبعد وفاة اسپينوزا، نشر تلاميذه وأصدقاؤه سنة 1677م مجموعة من مؤلفاته بعنوان «المؤلفات المخلفة
Opera posthuma » وذكر اسم المؤلف بحروفه الأولى فقط
B. D. S. ، وكان ذلك المجلد يحوي المؤلفات الآتية: (1) «الأخلاق، مبرهنا عليها بالطريقة الهندسية
Página desconocida