27
وفي المقال نجد أحكاما مثل «إن الأمة اليهودية تحتل من الهرم البشري قمته، والأمة اليهودية هي العنصر «الصدوق» (أي الأمين المخلص
Zaddik ) في الجنس البشري. وقد خلق العالم كله من أجل الأمة اليهودية.»
28
فهل يستغرب أحد - بعد هذه التصريحات العنصرية الهستيرية - إذا قيل إن اليهود لا يفترقون عن مضطهديهم من أعداء السامية في شيء، بل إذا قيل إنهم هم الذين يستفزون العالم إلى هذا الاضطهاد؟! (ب)
والفئة الثانية تتألف من المذبذبين الذين يعلمون حق العلم من دراستهم لاسپينوزا أن أفكاره الحقيقية لا تتفق مع اليهودية، ولكنهم في الوقت نفسه يريدون إرضاء نزعاتهم العنصرية التي تدفعهم إلى تأكيد هذا الاتفاق. وهكذا يظلون يؤكدون الاتفاق تارة وينفونه تارة أخرى دون أية محاولة لاتخاذ موقف صريح من المسألة. ومن أوضح أمثلة هذه الفئة «رخمان
Rakhman » الذي أستطيع أن أقول إن مقاله عن «اسپينوزا واليهودية» من أعجب ما قرأت! فهو يؤكد في البداية تأثر اسپينوزا باليهودية، ويأتي بقائمة طويلة من العناصر التي يفترض فيها وجود هذا التأثير، ثم يعود فيؤكد وجود اختلافات أساسية بين تفكير اسپينوزا وبين نفس المصادر اليهودية التي قال بها، وهي اختلافات بلغت من الأهمية حدا كان من الواجب معه، لمجرد تنبهه إليها، أن ينفي وجود أي تأثير لها عليه. ومع ذلك يعود مرة أخرى، وبعد ذلك مباشرة، فيقول (في ص59-60 من المقال المذكور): «إن كتاب الأخلاق هو أكثر ما أنتجته اليهودية من الكتب كمالا ونضجا.» وبعد ذلك مباشرة (ص60) يقول: إن اسپينوزا لا يمكن أن يعد فيلسوفا يهوديا بالمعنى الدقيق، وإن اسپينوزا لا ينتمي إلى شعب بعينه، وإنما إلى البشرية جمعاء. كل هذه المواقف المترددة المذبذبة تقع في صفحات مقال قصير، ينتقل فيه المؤلف من الضد إلى الضد على نحو إن دل على شيء فإنما يدل على العجز عن تحمل المسئولية الأدبية لموقف صريح واضح. (ج)
وهناك فئة ثالثة لا يترك أفرادها آراءهم المتضادة هكذا جنبا إلى جنب دون محاولة لإزالة التناقض بينها، بل يأخذون موقفا ويتحملون مسئوليته: وهذا الموقف هو أن اسپينوزا قد تأثر فعلا بالتراث اليهودي، ثم يحاولون دعم هذا الموقف بالأسانيد. ومن المؤكد أن الكثيرين ممن ينتمون إلى هذه الفئة قد تنبهوا أيضا إلى وجود عناصر تتنافى مع التراث اليهودي، ولكنهم تحايلوا على هذه العناصر، وأساءوا تفسيرها في كثير من الأحيان، وسوف نناقش حجج هذه الفئة فيما بعد بالتفصيل، ولكن يكفي أن نقول الآن: إن آراءها تتسم بمسحة علمية؛ ولذلك فهي لا تدعو إلى الازدراء كالفئتين السابقتين. وإلى هذه الفئة ينتمي عدد كبير من شراح اسپينوزا اليهود المشهورين، مثل فرويدنتال، وجبهارت، وولفسون وروث. (د)
وأخيرا فإن أكثر هذه الفئات اليهودية أمانة هي تلك التي تمكنت من تغليب الحقيقة على الميول العنصرية، وإنكار وجود مؤثرات يهودية في تفكير اسپينوزا، وهي تتفاوت من شراح ينكرون هذا التأثير جزئيا، مثل «واكسمان
Waxman »، إلى آخرين ينكرونه تماما، مثل «كاسيرر»، و«فوير» و«ليوشتراوس».
Página desconocida