133

والحد الفاصل الذي يضعه بين الانفعالات التي ينبغي السعي إليها وتلك التي ينبغي تجنبها هو موافقة الأولى للعقل ومخالفة الثانية له. وليس العقل في هذه الحالة مبدأ مخالفا لقوة الإنسان الطبيعية أو نزوعه إلى حفظ وجوده، بل هو على العكس من ذلك قوة تتمشى تماما مع الطبيعة الحقيقية للإنسان وتوفق بينها وبين النظام الكلي للأشياء. فإذا دلنا العقل على أن انفعالا ما يؤدي إلى المساعدة على استمرار وجودنا وحفظ ذاتنا، فذلك انفعال ينبغي أن نسعى إليه. أما ما يعوق وجودنا فمن الواجب تجنبه بأي ثمن.

ويعترف اسپينوزا بأن هذا التمييز ليس أمرا هينا؛ ذلك لن الانفعالات قوية لها سيطرتها الخاصة على الإنسان، ويصل الأمر في ذلك إلى حد أن الرغبة في شيء مستحب وحاضر قد تقهر الرغبة الناشئة عن معرفة الخير والشر فيما يتعلق بشيء مقبل.

22

وفي قوة الانفعالات هذه تكون «عبودية الإنسان»، ومع ذلك فإذا كان الانفعال قويا فمن الممكن قهره بانفعال آخر أقوى منه، بل إننا نستطيع أن ننظر إلى معرفة الخير والشر، من حيث هي وسيلة لقهر الانفعالات، على أنها هي ذاتها «انفعال اللذة والألم، بقدر ما نكون على وعي بهما.»

23

وهكذا يصل اسپينوزا إلى أن «المعرفة الصحيحة للخير والشر لا يمكنها أن تقهر أي انفعال نظرا إلى كونها صحيحة، وإنما بقدر ما تعد انفعالا فحسب.»

24

وهذا يرسم بوضوح طريقة التغلب على الانفعالات عند اسپينوزا؛ فالانفعال لا يعود طاغيا بمجرد أن نكون عنه فكرة واضحة متميزة.

25 «وتزداد سيطرة العقل على الانفعالات، كما يقل خضوعه لها، بقدر ما يفهم الأشياء كلها على أنها ضرورة.»

26

Página desconocida