قوله: قال بعض العارفين: وفي توسل عمر بالعباس ﵁ دون النبي ﷺ نكتة أخرى زيادة على ما تقدم، وهي شفقة عمر ﵁ على ضعفاء المؤمنين، فإنه لو استسقى بالنبي ﷺ لربما استأخرت الإجابة، لأنها معلقة بإرادة الله تعالى ومشيئته، فلو تأخرت الإجابة ربما تقع وسوسة فاضطراب لمن كان ضعيف الإيمان بسبب تأخر الإجابة.
أقول: هذه النكتة أحق أن يقال إنها نكتة سوداء، أو وسوسة دهماء، أو فتنة صماء، أو شبهة عمياء، فإنها تقتضي ترك الاستسقاء بالنبي ﷺ في حياته ﷺ أيضًا، فإنه لو استسقى بالنبي ﷺ لربما استأخرت الإجابة لأنها معلقة بإرادة الله تعالى في حياته وبعد وفاته، فلو تأخرت الإجابة ربما تقع وسوسة فاضطراب، ولا يقول به أحد من المسلمين.
وبالجملة فالذي ألجأ هؤلاء إلى إبداء أمثال هذه النكتة السخيفة الساقطة الردية، والتعليلات الباردة الفاسدة المرمية، هو أن عمر ﵁ وسائر الصحابة مع أنهم السابقون الأولون عدلوا بعد وفاة النبي ﷺ عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس، وهذا العدول أوضح دليل وأبهر برهان على أن التوسل بالأموات غير جائز، فهؤلاء المجوّزون للتوسل بالأموات احتاجوا إلى توجيه هذا العدول وتأويله، فعموا وصموا وقالوا ما قالوا، فخبطوا خبط عشواء، وركبوا متن عمياء، وإلى الله المشتكى من أمثال هذه التوجيهات، فإنها تحريفات واضحات.
قوله: والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل وجوازه بالنبي ﷺ في حياته وبعد وفاته، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وكذا بالأولياء والصالحين، لما دلت عليه الأحاديث السابقة.
أقول: إن أراد أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة جميع أقسام التوسل التي ذكرناها آنفًا ففاسد، فإن كثيرًا من أهل السنة صرحوا بكون بعض الأقسام غير جائز أو مكروهًا، بل بكون بعضها كفرًا وشركًا، وإن أراد أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة بعض أقسام التوسل فنحن لا ننكره ولا أحد من العلماء الذين رُموا