أضاف كام بنبرة عملية: «والآن أين غرفتها؟»
لم أفكر في شيء إلا أن أمي تحتضر بغرفتها، ومن تلك الفرجة الصغيرة بين جفونها - من يدري، لعلها ترى من حين لآخر - ربما تفتح عينيها لترى ذلك الحشد من الشياطين يقيمون الصلوات حول سريرها. فقدت أمي إيمانها المسيحي منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها وانضمت للكنيسة الوحدانية، ثم تحولت عنها لاحقا عندما انقسموا حول شطب اسم الله من الترانيم (كانت هي مؤيدة لذلك)، أقول إذا رأتهم أمي فستقضي الدقائق الأولى من وعيها في محاولة فهم ما يجري، ربما تعتقد أنها عادت بالتاريخ إلى العصور التي يتقافز فيها المختلون أثناء إقامة مراسمهم الجنونية، وتحاول جاهدة تنظيم شتات آخر أفكارها العقلانية وسط ما يفعلونه.
أحمد الله أن الممرضة رفضت دخولهم، وأرسلوا في طلب الطبيب المقيم الذي أجاب بالرفض أيضا. لم يصر كام على الدخول، بل ابتسم وأومأ برأسه لهم كأنه إيذان لهم ببدء شيء ما، بعد ذلك عاد بجماعته إلى غرفة الانتظار، أمام عيني مباشرة، وبدءوا مراسمهم. وضعوا الرجل العجوز بالمنتصف، وبدوره أحنى رأسه وأغمض عينيه - وكان عليهم أن ينقروه ليذكروه بما عليه فعله - ثم جلسوا جميعهم القرفصاء في دائرة غير منتظمة، ووجوههم للداخل والخارج بالتعاقب. بعد ذلك أغمضوا أعينهم، وبدءوا في التمايل للأمام والخلف، ينوحون بكلمات بأصوات ناعمة جدا، لكن ليس جميعهم يقولون نفس الكلام، فكما يبدو، كل منهم يردد كلمات مختلفة عن أخيه، ولم تكن الإنجليزية هي اللغة التي ينوحون بها؛ إذ بدا أنها اللغة السواحلية، أو السنسكريتية أو شيء من هذا القبيل. بدأت أصواتهم تعلو بالتدريج، ثم وقفوا وارتفعت أصواتهم بالغناء بوتيرة واحدة، عدا الرجل العجوز، ظل جالسا وبدا كأنه قد نام، بدءوا يرقصون في هرج، ويصفقون بأيديهم، لكن ليس على نحو متزامن. ظلوا بهذه الحالة فترة طويلة، ومع أن الجلبة التي يحدثونها لم يكن صوتها عاليا بشدة، فإنها استرعت انتباه الممرضات ومعاونيهن، وبعض الناس القليلين المنتظرين مثلي. نظر إليهم الجميع ولم يع أحد ما يحدث؛ فقد كان بحق شيئا لا يصدقه عقل، فعلا جنونيا جدا، بغرفة الانتظار الصغيرة تلك. كل الموجودين كانوا يحدقون كأنهم نائمون ويحلمون بشيء ما يتوقعون الإفاقة منه بين لحظة أو أخرى، ثم أتت ممرضة خارجة من العناية المركزة قائلة: «غير مسموح بكل هذا الإزعاج هنا، ماذا تظنون أنكم فاعلون؟»
ثم أمسكت بواحد منهم من كتفه وهزته؛ إذ ما كانت لتسترعي انتباه أحدهم دون ذلك، أو توقفه عما يفعل.
قال لها: «نحن نعمل لمساعدة امرأة مريضة جدا.» «لا أدري ما الذي تدعي أنه عمل، لكنك لا تساعد أحدا بذلك. الآن أطلب منك ومن أعوانك الانصراف من هنا. معذرة، أنا لا أطلب، بل آمرك.» «أنت مخطئة إذا كنت تظنين أن صوتنا من الممكن أن يضر أو يزعج أحدا هنا، فهذه الشعيرة معدة خصوصا لتلقى بطبقة صوت تصل العقل الباطن وتريح صاحبه، وتستخرج الأعمال الشيطانية التي أودت به إلى هنا، من جسده. إنها شعيرة تمارس منذ خمسة آلاف عام.»
قالت الممرضة، وقد اتسعت حدقتا عينيها عن آخرهما من فرط الدهشة: «يا إلهي! من هؤلاء الناس؟»
اضطررت أن أعلمها أن هذا أخي، ومن معه يمكنك أن تسميهم أصدقاءه، وأنا لا دخل لي بالشعيرة التي يمارسونها، أنا أريد أن أسأل عن أمي، إذا كان هناك تغير بحالتها.
قالت: «لا يوجد تغير.» ثم سألت: «ما الذي يمكننا فعله لنخرجهم من هنا؟»
قال أحد الممرضين: «افتحي خرطوم الماء عليهم.» وطوال هذا الوقت لم يتوقف الرقص أو الطقس الجاري أبدا، أما الشخص الذي توقف للحظات ليشرح للممرضة ما يفعلونه فقد عاد مرة أخرى لموقعه بالرقص. فاستأنفت حديثي للممرضة: «سوف أتصل لأطمئن على حالتها، سأذهب إلى المنزل لبعض الوقت.» خرجت من المستشفى، وفوجئت حينما وجدت أن الظلام قد حل، واكتشفت أني مكثت هنا يوما كاملا، من ليلة إلى الليلة التي تليها. وقفت في ساحة الانتظار وبدأت أبكي، وقلت لنفسي، كام حول المستشفى إلى سيرك لمصلحته، وقلتها بصوت عال عندما عدت إلى المنزل.
أعد لي هارو مشروبا.
Página desconocida