قالت كالا: «هل تريد تناول التين؟» •••
أخذ كلامهم على محمل الجد، فليس أمامه شيء آخر يمكنه فعله. ذهب شرقا، ماشيا بمحاذاة البحر، مقتفيا أثر الطريق الذي سلكه صباح هذا اليوم. تجاوز الرصيف، المهجور الآن، ثم تجاوز المقهى الذي شرب فيه قهوته، مواصلا إلى ملعب الجولف. كان عصر هذا اليوم لطيفا، وكان هناك الكثير من الناس يتمشون. في بعض الأحيان كان يخيل إليه أنه رأى يوجين. بدا أن نصف الشبان في العالم يرتدون الجينز والقمصان البيضاء، وأنهم قصار القامة نحاف الجسم طوال الشعر. وجد نفسه يتفرس وجوه الناس ويهم بأن يسألهم: «هل شاهدتم الشاب؟» ظن أنه قد يلتقي شخصا كان على الرصيف صباح هذا اليوم. بحث عن السيد كليفورد أو السيد موري، ولكن كانت تلك المنطقة بعيدة جدا، بعيدة عن حيهما.
على الجانب الآخر من ملعب الجولف كانت هناك مساحة من الأجمات البرية بارتفاع قامة الرجل. كانت هناك صخور بارزة من الماء. لا شواطئ هنا. بدت المياه عميقة إلى حد ما. كان هناك رجل يقف على الصخور يمسك بخيط طائرة ورقية. كانت هناك قوارب صغيرة على المياه ذات أشرعة حمراء وزرقاء. هل يمكن أن يسقط رجل هنا دون أن يلاحظه أحد؟ هل يمكن أن ينزلق رجل في هدوء دون إحداث أي ضجة، وينتهي أمره؟
في وقت سابق من اليوم، في الواقع بينما كان يجلس يرتشف قهوته في ذلك المقهى، جاءه خاطر، المشهد الذي اعتاد أن ينتهي به حلمه. كان مشهدا واضحا ومفصلا استرجعه بسهولة من مكان ما، إما من الحلم أو من ذاكرته، رغم أنه لا يدرى كيف يمكن أن يأتي من ذاكرته.
كان يسير خلف أبيه وسط عشب طويل رمادي اللون. كان رماديا لأن الليل كان في سبيله لينجلي ويمكن رؤية كل شيء بوضوح، ولكن كانت الشمس لم تشرق بعد. بدوا وكأنهما قد انفصلا عن باقي الرجال الباحثين عن الصبي. كانا بالقرب من نهر، وفي فترة وجيزة تسلقا إحدى ضفتيه وصولا إلى طريق موحل يفضي إلى جسر على النهر، وبما أن السيد لوهيد كان طفلا بطبيعة الحال في هذا المشهد، فقد أسرع الخطى لاجتياز الجسر، ولكن بعد نحو ثلث الطريق فوجئ أن الجسر غير آمن؛ إذ كانت بعض ألواح أرضيته مفقودة، وبدت عوارضه وكأنها قد سحقت بطريقة أو أخرى، وكأنه جسر لعبة داس عليه أحدهم. نظر إلى الوراء مستغيثا بأبيه، ولكنه لم يجده هناك؛ وكان هذا متوقعا. عندئذ كان عليه أن ينظر إلى أسفل من خلال أرضية الجسر حيث أحد الألواح المفقودة، وفي المياه الضحلة للنهر الذي انساب بين الحجارة البيضاء رأى جثمان صبي ممدد فيها ووجهه لأسفل. بدا هذا المشهد في الحلم - إن كان هذا ما بدا عليه - مشهدا طبيعيا للغاية.
ولكن في حال اليقظة بالطبع ليس بمقدوره أن يرى هذا المنظر بهذا الشكل العرضي. وسأل نفسه إذا كان ذلك الصبي هو فرانك ماكرتر؛ إذا كان هذا الشاب بعد أن قتل والديه قد ألقى بنفسه في النهر. لم يعد هناك سبيل لمعرفة ذلك في الوقت الحالي.
ذات مرة عانى مما قال الطبيب في وقت لاحق إنها سكتة دماغية خفيفة، وفي تلك الحالة كان يرى خطا أبيض متعرجا مبهرا يتراقص في زاوية رؤيته ثمان وأربعين ساعة أو نحو ذلك، ثم يختفي. لم يكن هناك أي ضرر، ولم تكن مثل هذه الأمور غير مألوفة على حد قول الطبيب. وها هو الآن الحلم، أو نهاية للحلم، يواصل فعل الشيء نفسه في ذهنه. كان يتوقع أن يختفي من حياته بعد فترة من الوقت. وثمة شيء آخر يأمل أن يبتعد عنه عندما يئوب إلى نفسه، وهي تلك المخاوف أو الأفكار الغريبة عن نزول يوجين في الماء؛ فالانتحار لن يكون الكلمة التي يصف بها تلك الفعلة، ليس يوجين؛ ولا شك أنه كان سيجد طريقة متكلفة ومراوغة لوصفه؛ ولربما لم يكن عرض هذا الصباح سوى بروفة أو محاكاة عملية له.
كان مرهقا للغاية، وأخيرا وجد مقعدا خاليا فجلس هناك فترة طويلة، متسائلا إن كان بمقدوره استجماع قواه للعودة إلى المنزل ماشيا. •••
قال لكالا: «باب يوجين مفتوح ونافذته مشرعة عن آخرها.» كان الصمت يغلف الغرفة من خلفها هذه المرة؛ فابتسمت له كما فعلت من قبل. فكر في النظر إلى عينيها، ولكنهما كانا عاديين حسبما رأى. كان مرهقا للغاية ويشعر بدوار شديد، حتى إنه اضطر إلى التشبث بقائم السلم.
قالت كالا: «دائما ما يترك باب غرفته مفتوحا.»
Página desconocida