قال دكتور بيبلز: «عن نفسي سأقفز على متنها مع أول فرصة تواتيني، لكم أود أن أرى الجوار وأنا محلق في السماء.»
وقالت السيدة بيبلز إنها ستقفز بالطائرة حالما تراها. وقال الطفلان جووي وهيذر إنهما يرغبان في الصعود أيضا؛ كان جووي في التاسعة من عمره وهيذر في السابعة.
سألتني هيذر: «وماذا عنك إيدي؟»
أجبتها بأنني لا أعلم؛ فقد كنت خائفة ولكني لا أستطيع البوح بذلك، خاصة أمام الطفلين اللذين أتولى رعايتهما.
قالت لوريتا بيرد: «يأتي الناس هنا في سياراتهم ويثيرون التراب ويخربون ممتلكاتكم، لو كنت مكانكم لتقدمت بشكوى.» جلست لوريتا بيرد على الكرسي وشبكت رجليها حول رافدة الكرسي، حينها علمت أننا بصدد زيارة طويلة. ذهب الدكتور بيبلز إلى مكتبه أو خرج لمكالمة ما، وذهبت السيدة بيبلز لقيلولتها المعتادة، بعدها لم يتبق لي سوى لوريتا بيرد تتسكع حولي وأنا أحاول غسل الأطباق. هذه المرأة لا تجد حرجا أبدا في انتقاد آل بيبلز هنا في منزلهم. «لو كان لديها سبعة من الأبناء مثلي، لما استطاعت ترك كل شيء والنوم في منتصف النهار هكذا.»
ثم أخذت تسألني عن أشياء خصوصية مثل: هل يتشاجران؟ وهل يستخدمان وسائل لمنع الحمل؟ وقالت إنهما إذا فعلا ذلك فهما مذنبان. تظاهرت أنا بعدم معرفتي عم تتحدث.
كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكانت تلك أول مرة في حياتي أعيش بعيدا عن منزلي. بذل والداي جهدا كبيرا لكي ألتحق بالمدرسة الثانوية، واستمر ذلك عاما واحدا، ولكني لم أحب الدراسة هناك. كنت أخجل من الغرباء، وكانت الدراسة صعبة، ولم يكن المدرسون يشرحون بالطريقة التي يشرحون بها الآن، أو يذللون لك الأمور. في نهاية العام نشرت الجريدة درجات الطلاب، وجاءت درجاتي في ذيل القائمة؛ 37 بالمائة، قال أبي إنه يكفيني هذا القدر، ولم ألمه قط؛ فآخر شيء كنت أتمناه هو إكمال دراستي وأن تنتهي بي الحال مدرسة بمدرسة. في ذلك اليوم، عندما نشرت الجريدة تلك الفضيحة كان الدكتور بيبلز حاضرا لدينا للعشاء؛ حيث قد ساعد لتوه إحدى البقرات لدينا في ولادة عجليها الصغيرين، وأبدى إعجابه بذكائي، وقال إن زوجته تبحث عن فتاة تساعدها، فهي تشعر بأن الطفلين قيدا حركتها منذ انتقالهم من المدينة. حينها وافقت أمي متصنعة التهذيب، حسبما أعتقد، مع أنني أستطيع الجزم من ملامح وجهها بأنها تتساءل متعجبة عما يجعل امرأة ليس لديها سوى طفلين وغير مسئولة عن أي أعمال في الحظيرة تشتكي!
عندما كنت أعود إلى المنزل، وأحكي لهم ما أؤديه من عمل عند آل بيبلز يضحك الجميع. تمتلك السيدة بيبلز غسالة ومنشفة أوتوماتيكية، وكانت الأولى التي أراها في حياتي؛ أمتلك مثلها في منزلي منذ مدة طويلة لدرجة أنه بات من العسير علي تذكر كم كان الأمر كالمعجزة بالنسبة لي؛ حيث إنني لم أكن لأضطر إلى بذل مجهود مضن لتشغيل العصارة، وتحريكها إلى أعلى وأسفل، فضلا عن عدم اضطراري لتسخين الماء. كما لم أكن عادة أخبز في هذا المنزل. تقول السيدة بيبلز إنها لا تعرف كيف تصنع الفطيرة العادية؛ الاعتراف بهذا القول كان أغرب شيء من الممكن أن أسمعه من امرأة؛ فبالطبع أستطيع أنا صنع تلك الفطيرة كما أستطيع أيضا صنع البسكويت والكعك الأبيض وبالشوكولاتة، لكن السيدة بيبلز لم ترد مني صنع ذلك في منزلهم، وقالت إنهم يحافظون على وزنهم من الزيادة. في الواقع إن الشيء الوحيد الذي لم أكن أحبه في عملي لدى آل بيبلز هو شعوري بشيء من الجوع معظم الوقت؛ فكنت أحضر علبة من الدوناتس المصنوعة بالمنزل وأخفيها تحت سريري، حتى اكتشف الطفلان وجود الدوناتس، ولم أمانع قط في إعطائهما بعضا منه، ولكني شعرت بعد ذلك أنه يجب إخفاء الأمر عنهما.
في اليوم التالي لهبوط الطائرة أخذت السيدة بيبلز طفليها بالسيارة إلى تشيسلي؛ فقد كانت تريد تصفيف شعرها عند نفس السيدة الماهرة التي اعتادت الذهاب إليها هناك، ومعنى ذلك أنها ستبقى في الخارج فترة لا بأس بها. كان عليها اختيار يوم لن يحتاج الدكتور بيبلز السيارة فيه خارج المدينة؛ فلم تكن اشترت سيارة؛ إذ كان لا يزال هناك نقص في المطروح من السيارات بعد الحرب.
أحببت فكرة وجودي وحدي بالمنزل والقيام بأعمالي دون استعجال. كان المطبخ مطليا باللونين الأبيض والأصفر البراق، ومضاء بلمبات الفلورسنت. كان هذا قبل أن يفكر آل بيبلز في تغيير ألوان أدوات المطبخ، بل حتى الخزائن جعلوها بلون أسود كالخشب القديم، فحجبت الإضاءة. لقد أحببت الإضاءة كثيرا، وأحببت الحوض المزدوج، شأني شأن أي شخص لم يعرف سوى الغسيل في طبق كبير سد ثقب فيه بقطعة قماش بالية وذلك على منضدة مغطاة بمشمع، على ضوء مصباح الكيروسين. كنت أجعل كل شيء لامعا.
Página desconocida