100

Un secreto que me inquieta

سر يؤرقني

Géneros

بعد ذلك اتصلت بعدة أشخاص وسألتهم إن كانوا قد وجدوا وسيلة مواصلات لحضور الجنازة، أو مراسم التأبين، كما كان يطلق عليها آنذاك. اتصلت بآخرين وسألتهم إن لم يكن لديهم مانع في توصيل هؤلاء الذين يجدون صعوبة في تدبير وسيلة مواصلات للذهاب، ثم عاودت الاتصال بأولئك الذين اتصلت بهم أولا وأخبرتهم بالمكان والزمان حيث يمكن للآخرين أن يقلوهم بسياراتهم. كانت إيلين قد نهضت من فراشها وارتدت ملابسها في ذلك الوقت، وكانت تغدو وتروح إلى الحمام. ومن غرفة الاستجمام بالطابق السفلي سمعت موسيقى الروك بصوت منخفض على غير العادة، ربما مراعاة للظرف الذي يمر به أهل البيت. لا بد أن الأولاد الكبار بالطابق السفلي. تساءلت عن مكان إيوارت. كان لديها انطباع بأنه ليست كل هذه الترتيبات التي تقوم جون بإعدادها ضرورية، أو على الأقل، لم يكن مطلوبا من جون أن تعدها. فبمقدور الناس بكل تأكيد تدبر وسائل مواصلات تقلهم إلى هناك بأنفسهم. وجدت إيلين أنها تكره حتى نبرة صوت جون في الهاتف. «صباح الخير، أهلا! أهلا، معك جون!» كان في واقع الأمر صوتا عمليا مرحا مبتهجا، ألم يكن هناك في هذا المرح الشديد بعض التحدي، إصرار شديد على السيطرة؟ هل كان يمكن أن يقال إن جون كانت تسعى لأن تنال التقدير على ما تفعله؟ حسنا، ولم لا؟ إذا كان هذا سيفيد، لو كان هناك ما يفيد.

بيد أن إيلين كرهت تلك النبرة في صوتها؛ فقد أصابتها بالإحباط.

في المطبخ غسلت كوبها وطبقها؛ إذ لم يكن هناك غيرهما في مجال رؤيتها. فالمطبخ، في التاسعة والربع من الصباح الباكر، كان نظيفا ولامعا كالمطابخ الموجودة في الإعلانات. كانت الأطباق كلها في غسالة الأطباق، فهذا هو مكانها الطبيعي. لم تفكر إيلين في استخدام غسالة الأطباق؛ فهي نفسها تعيش في منزل قديم، منزل مستأجر في مدينة أخرى. كانت تعيش وحيدة لأنها مطلقة وابنتها الوحيدة كانت تتجول في أوروبا. لم تكن تعرف كيف تشغل غسالة الأطباق.

كانت قد تركت بقايا من الخبز المحمص في إفطارها، ولكنها الآن التهمتها كلها؛ لأنه كان من الصعب معرفة في أي من سلال المهملات من المفترض أن تلقيها. ربما يستغرق منها الأمر هنا يوما كاملا، على الأقل، لكي تفهم النظام على الوجه الصحيح. كانت قد عرفت ليلة أمس أن ثمة نظام جديد ومعقد لتقسيم النفايات، يساهم في عملية إعادة التدوير. أعربت إيلين عن استعدادها لتعلمه ولكنها قالت: «علي أن أجرب كل هذا لكي أقوم به أنا أيضا.» فردت عليها جون: «ولكن، ألم تفعلي من قبل؟»

بالمقارنة مع جون، كانت إيلين تعيش بطريقة غير مسئولة. كان يجب أن تعترف بذلك. كانت قمامتها ملقاة بإهمال في كل مكان؛ وتحت مظهرها المرتب، تعج خزائن مطبخها بالفوضى. ذات مرة حدثت مشادة بينها وبين جون بسبب الأكياس الورقية بنية اللون، حيث كانت إيلين تحفظ الأكياس الورقية بحشرها في أحد أدراج المطبخ، أما جون فقد فردتها وسوتها، ثم رصتها بعضها فوق بعض، وبفضل ذلك زادت سعة الدرج كثيرا وأصبح إخراج الأكياس أسهل كثيرا. كلتا الأختين ضحكت غاضبة.

علقت جون قائلة: «أنا أعني أن الأمر أسهل بهذه الطريقة. إنه دائما أسهل بهذه الطريقة. في الحقيقة، في النهاية يمكنك بذلك أن توفري لنفسك وقتا كثيرا.»

فردت عليها إيلين: «أنت موسوسة.» قالتها بنبرة من يحاول يائسا أن يستخدم لغة جون الخاصة ضدها، فهي تستخدمها بتهكم وعجرفة. واستطردت: «النظام انحراف عن الطبيعة. أنا مندهشة منك.»

ولكنها حاولت. في مطبخ جون حاولت طوال الوقت أن تتذكر النظام والترتيب، أن تتذكر المنطقي دائما، على الرغم من التصنيفات غير المتوقعة. كانت دائما ما تخطئ. عندما كان إيوارت يكتشف أحد أخطائها، شيء في غير مكانه، كان يربت على ذراعها مع نظرة تنم عن الاعتذار والتواطؤ، دون أن ينبس ببنت شفة، ثم يضع الشيء في مكانه الصحيح بتلويحة ماكرة. ومن هذه الإيماءات من جانبه، وهذا اللطف والقلق من جانبها، فهمت إيلين إلى أي مدى كان كل هذا أبعد ما يكون عن المزاح، فهمت كم سيكون غضب جون عميقا وحقيقيا. في منزل جون وإيوارت أحست طوال الوقت بثقل ظل عالم النظام، والمتطلبات الجادة، والاختلافات التي استخفت بها، كانت هنا أخلاقيات في الشراء والاستخدام، أخلاقيات في النزعة الاستهلاكية. لم يكن لدى إيلين أي أموال قط؛ لذا لم يكن عليها من بأس في التبذير، كانت مهملة وراضية بذلك. أما جون وإيوارت، بما يتمتعان به من ثراء عظيم، فكانا يشتريان ويستخدمان كل الأشياء مع إحساس عظيم بالمسئولية، ليس فقط مسئولية امتلاك الأفضل، الأكثر فاعلية وكفاءة ومتانة، ولا مسئولية الحفاظ على ما يمتلكونه، بل مسئولية نحو المجتمع، على حد وصفهم. وهؤلاء الذين لا يقرءون مجلة كستمر ريبورتس، المعنية بتقارير الاستهلاك، كانوا يبدون بالنسبة لهم مثل من لا يكلفون أنفسهم عناء الإدلاء بصوتهم في الانتخابات.

الأشياء التي كان من الصعب عليهم شراؤها هي الأشياء التي لا تخدم أي غرض ولكنها ذات أهمية لأي منزل، مثل الصور والزينة. وقد حلوا هذه المشكلة أخيرا بأن اختاروا لوحات ومنحوتات الإسكيمو، معلقات الحائط الهندية، منافض السجائر، السلطانيات، وبعض القدور المسامية رمادية اللون المصنوعة بواسطة سجين سابق ترعاه كنيسة التوحيديين بوصفه خزافا! كل هذه الأشياء يتوافر بها قدر من المعايير الأخلاقية، وكانت إضافة إلى ذلك تضفي الزينة بطريقة مقبولة. فتجد زوجا من أقنعة شعب الكوكيوتل الهندي - يعبر عن خطر داهم وشراسة قاتلة - معلقا على جدار المدفأة، ويلقى قدرا كبيرا من الإعجاب. أرادت إيلين أن تسأل: ماذا تفعل أشياء مثل هذه في غرفة المعيشة؟ لقد لمست في نفسها تلك الأيام إصرارا غير محبب على التدقيق في بعض الأشياء، كالملابس، مثلا، والديكور. رغبة في تجنب الخداع، عدم إقحام أشياء جدية في استعمالات سخيفة، عدم ابتذال الأشياء بإدخالها في موضات مختلفة. رغبة محكوم عليها بالفشل. هي نفسها استاءت. وإيوارت وجون لم يقصدا الابتذال، كانا في الحقيقة معجبين بالفن الهندي، وقد قالا: «أليس هذا شرسا؟ أليس هذا رائعا؟» في غرفة المعيشة بمنزل إيلين كانت تشيع الألوان المائية الباهتة بألوان الزهور، مجموعة غير متوافقة من الأثاث المستعمل، ومن سيقول إن هذا التدني ومجافاة الذوق لم يكن فعلا أقل بشاعة من التكلف الظاهر في عرض أقنعة الكوكيوتل، آلهة الخصوبة المشوهة؟

جاء إيوارت من المرأب مرتديا قميص العمل وبنطلونه. كان شعره قد نما حتى شحمة أذنيه. ثم صاح قائلا لإيلين: «هل تحبين أن تري حديقتي اليابانية؟ كنت لتوي بالخارج أعتني بالشجيرات. لن تستطيعي رفع عينيك عن هذه الشجيرات عندما تبدأ في النمو.»

Página desconocida