المذهب ساقط. ثم لو سلم أن وجه الإعجاز هو الفصاحة لم يمنع أن يكون كلام معجز يخرق العادة بفصاحته أفصح من كلام معجز يخرق العادة بفصاحته فإن نبيًا لو أظهر الله على يده معجزًا - وهو حمله ألف رطل - لم يمنع أن يظهر على يده أو على يد بني غيره معجزا آخر وهو حمل ألفي رطل فيكون المعجزان أحدهما أعظم من الآخر مع كون كل واحد منهما معجزًا.
فإن قيل: فما تقولون في الكلام الذي وضع لغزًا وقصد ذلك فيه. قيل: إن الموضوع على وجه الألغاز قد قصد قائله إغماض المعنى وإخفاءه وجعل ذلك فنًا من الفنون التي يستخرج بها أفهام الناس وتمتحن أذهانهم فلما كان وضعه على خلاف وضع الكلام في الأصل كان القول فيه مخالفًا لقولنا في فصيح الكلام حتى صار يحسن فيه ما كان ظاهره يدل على التناقض. أو ما جرى مجرى ذلك. كما قال بعضهم في الشمع:
تحيا إذا ما رؤسها قطعت ... وهن في الليل أنجم زهر
وقد كان شيخنا أبو العلاء يستحسن هذا الفن ويستعمله في شعره كثيرا ومنه قوله:
وجبت سرابيًا كأن أكامه ... جوار ولكن ما لهن نهود
تمجس حرباء الهجير وحوله ... رواهب خيط والنهار يهود١
فألغز بقوله: جوار عن الجواري من الناس وهو يريد كأنهن يجرين في السراب وبقوله: نهود عن نهود الجوارى وهو يريد بنهود نهوض أي كأنهن يجرين في السراب وما لهن على الحقيقة نهوض.