فأما المناسبة من طريق المعنى فسنذكرها في المعاني إذا وصلنا إليها من هذا الكتاب بعون الله ومشيئته. وأما المناسبة بينهما من طريق الصيغة فلها تأثير في الفصاحة ومثال ذلك ما رواه أبو الفتح عثمان بن جنى. قال قرأت على أبي الطيب قوله:
وقد صارت الأجفان قرحًا من البكا ... وصار بهارًا في الخدود الشقائق١
فقلت: قرحى فقال: إنما قلت قرحًا لأن قولي بهارًا.
فهذه المناسبة التي تؤثر في الفصاحة والشعراء الحذاق والكتاب يعتمدونها وكتب بعضهم: إذا كنت لا تؤتى من نقص كرم وكنت لا أوتى من ضعف سبب فكيف أخاف كم خيبة أمل أو عدولا عن اغتفار زلل أو فتورًا عن لم شعث وإصلاح خلل فناسب: بين نقص وضعف وكرم وسبب وعدول وفتور بالصيغ. وإلا فقد كان يمكنه أن يقول: مكان نقص قلة فلا يكون مناسبًا لضعف ومكان كرم جودًا فلا يكون مناسبًا لسبب أو مكان سبب شكرًا فلا يكون مناسبًا لكرم ومكان فتور تقصيرًا فلا يكون مناسبا لعدول.
ومن هذا النحو أيضا قول أبي تمام:
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس ... قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
فناسب بين مهى وقنى والوحش والخط.
وكذلك قول أبي عبادة:
فأحجم لما لم يجد فيك مطعمًا ... وأقدم ملا لم يجد عنك مهربا٢