El secreto de la elocuencia
سر الفصاحة
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الطبعة الأولى ١٤٠٢هـ_١٩٨٢م
وكما يلتمس من المتأخر الحسن الصحيح كذلك يلتمس من المتقدم.
ومن عدل منهما كان التأويل له واحدًا بحيث يمكن ولا يبعد ولم يقع بينهما تميز فيما يوجبه النظر ويتقدمه الفحص وما أحسب أن أحدًا ممن ينتسب إلى العلم ويتميز بصحة الفهم يحتاج في اختيار الاستعارة إلى معرفة صاحبها وزمانه حتى يكون حكمه على من تقدم مولده يخالف حكمه على من قرب عهده فلعل من يجدنا نستدل بكلام العرب المتقدمين على لغتهم لا نستدل بكلام المتأخرين يتحيل أن هذا شئ يرجع إلى الزمان وليس الأمر كذلك وإنما العرب الأول لما كثر الإسلام واتصلت الدعوة وانتشرت حضر أكثرهم١ وسكنوا الأرياف وفارقوا البدو وخالطهم الباقي فامتزج كلامهم بمن جاوروه من الأنباط وعاشروه من الأعاجم وعدم منهم الطبع السليم الذي كانوا عليه قبل هذه المخالطة فهم الآن لا يحتج بكلامهم لهذه العلة لا لأن القدم والحدوث سببان في الصواب والخطأ ولهذا كان الأصمعي ينكر أن يقال في لغة العرب مالح فلما أنشد في ذلك شعر ذي الرمة. قال: إن ذا الرمة قد بات في حوانيت البقالين بالبصرة زمانًا. فأراد بذلك أن بمخالطتهم سمعهم يقولون مالح فقاله فلم يجز أن يحتج بكلامه لهذا السبب ولو فرضنا اليوم أن في بعض الصحارى النائية عن العمارة قومًا على عادة المتقدمين في البدو وترك الإلمام بأهل المدر متمسكين بطبعهم وجارين على سجيتهم كان على هذا الفرض قولهم حجة واتباعهم واجبًا ولهذه العلة تختلف العرب في كلامهم بحسب تباينهم في المخالطة. فنجد اليوم من بعد منهم عن الحضر أكثر من غيره إلى الصواب أميل ومن جانبه أقرب.
وأما قوله: إن أبا الطيب يريد أن مباشرة مفرقها شرف ومجاورته زين ومفخر وأن التحاسد يقع فيه والحسرة تعظم عليه فلو كان الطيب
١ حضر: بمعنى سكن الحضر أي المدن.
1 / 131