Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Géneros
أما آخر الملوك التباعنة فهو الملك «ذو اليزن» المعروف بسيرته الكبرى، وكذلك ابنه الملك «سيف بن ذي يزن»، وهذان الملكان بالذات لعبا الدور الأكبر في التعريب داخل القارة الأفريقية، بدءا بمصر والسودان، أو بالأصح بدءا بالقرن الأفريقي المتاخم لليمن وإثيوبيا والسودان ومصر، وبقية ربوع القارة الأفريقية بشكل عام، حتى إذا ما جاءت الفتوحات الإسلامية وجدت الأرض ممهدة لاستنبات وانتشار الإسلام في القارة الأفريقية أو جانبها الأعظم الذي لم يندحر إلا مع بداية رحلات الاستكشاف الأوروبية وما تبعها من رحلات تبشيرية، وتحول بعض هذه البلدان والأقوام الأفريقية إلى المسيحية.
1
كذلك ترد مأثورات التباعنة في قصة أوفابيولة «زرقاء اليمامة»؛ تلك الأميرة واسعة البصيرة، والتي حذرت قومها من غزو الملوك التباعنة، حين صعدت إلى أعلى أبراج المدينة وظلت تهيب بقومها صارخة:
يا جديس يا قوم، لقد مشت إليكم الأشجار وجاءتكم حمير.
يا جديس يا قوم، لقد مشت إليكم الأشجار وجاءتكم حمير.
وبالفعل أنهى أولئك الملوك التباعنة حضارات وأقواما أو كيانات سابقة، مثل قبائل: عاد وثمود وجديس وطسم والعماليق ورائش؛ أي حوالي اثنتي عشرة قبيلة وكيان فنيت بكاملها من الوجود في ذلك الوقت المبكر السابق للإسلام أو ما تعارفنا عليه بالجاهلية، وإن كانت تلك الجاهلية تزخر بالعديد من الأحداث والحضارات والفتوحات الموغلة في القدم، وفي العصبيات والتطاحن العرقي والقبلي، واعتبار الحروب والقتال، نوعا من الرياضيات القومية؛ اتساقا مع مقولة الأب السالف لهذه الأقوام الحميرية، وهو يعرب بن قحطان - أو يقطان - أبو العرب أول من تكلم العربية. - أيها الناس إن لم تقاتلوا الناس قاتلوكم، وإن لم تسبوهم سبوكم؛ فقاتلوهم قبل أن يقاتلوكم؛ فليس جمع خيرا من جمع، ولكن جد خير من جد. •••
وفي الجزء الثاني من هذا الكتاب، نتعرض لآخر الملوك التباعنة، وهما: الملك ذو اليزن وابنه الملك التبع سيف بن ذي يزن.
فقد لعب الملك «ذو اليزن» وابنه الملك سيف الدور الهام في التعريب داخل ربوع القارة الأفريقية، وتذكر سيرتهما أن كلا منهما كان يبحث عن «كتاب النيل»، وهو ما يمكن أن يكون مرادفا للبحث عن منابع النيل؛ ذلك أنهما كانا متفوقين إلى أقصى حد في تلك الفترة الموغلة في القدم بالنسبة للسدود المائية والتحصينات الزراعية، ويكفي أن نعرف أن سد مأرب كان واحدا من بين ثمانية وثلاثين سدا منتشرة في ربوع اليمنين وبلدان الجنوب العربي، فقد كانت حضارة زراعية هائلة بما يسر لها من الحركة والتجوال والفتوحات، وخاصة وأن هذه البلدان أيضا هي التي كانت تشكل الجنوب العربي، وكانت بلدانا أو شعوبا ذات صفة بحرية نتيجة لوقوعها على بحر العرب أو الخليج العربي، واتصاله بالمحيط الهندي، من هنا كان يطلق عليهم «فينيقيو البحر الجنوبي».
2
فإذا ما كان هناك فينيقيو البحر الأبيض المتوسط في الشام وفلسطين، فأولئك كانوا فينيقيي البحر الجنوبي وكانوا كشعوب بحرية، تمكنوا من التوغل في ربوع آسيا الوسطى والشرق الأقصى حتى تخوم الصين ذاتها، والأكثر أهمية ما يذكره التاريخ - المندثر - لأولئك الملوك «التباعنة» أن سبعة فراعنة خرجوا منها وحكموا مصر.
Página desconocida