Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Géneros
شقق منها عليه فافعلي
لم تكن لطموحات الجليلة بنت مرة حدود تقف عندها؛ لذا آثرت الاكتفاء بما قاله كليب لها؛ حيث اعتبرته نوعا من الضمانة التي بموجبها ستواصل مسيرتها المحفوفة بالأخطار؛ كي تنفذ غاياتها كافة والتي منها الاستحواذ على سلطة ذلك التبع الطاغية.
أما كليب المنكوب في مصرع أبيه أمير بني ربيعة والفار من وجه سلطة الطاغية فهو بالطبع الأكثر حيلة ودهاء، وبالتالي مناورته للخلاص من نير الظلم الذي حل بربوع هذه البلاد، بجبالها ووهادها وبحارها، إثر الغزوة الضارية المفاجئة التي حلت مثل كابوس ثقيل لا قبل لأحد به، وهما على مشارف الأسابيع الأخيرة لعرسهما وزواجهما الذي كان قد طال أجله.
وهو الزواج الذي تعاهد عليه القومان - بني مرة في لبنان، وبني ربيعة في فلسطين - ليكون آخر المطاف ونهاية لتلك الحروب والمنازلات والغزوات التي كانت مستعرة بينهما، لسنوات طويلة سوداء، عانى منها الفريقان الأمرين.
أما ما غاب عن أذهان الجميع ، خاصة والديهما - ربيعة ومرة - حين تعاهدا على ذلك الزواج - السياسي - هو حكاية حبهما الجارف معا الذي ولد معهما - الجليلة وكليب - منذ مطلع شبابهما، على مشارف بيروت، ووهاد صور، ومروج البقاع؛ حيث كان يتم لقاؤهما معا، وكأنهما بهذا إنما يتحديان تلك الحروب والمناوشات والغزوات الملفقة بين قوميهما.
إلى أن حانت مناسبة الاتفاق على زواجهما فضحكا معا طويلا، بل إن كليبا داعب والده وشيوخ قبائله في البداية برفضه ذلك الزواج المصطنع؛ إذ كيف له الرضوخ وتقبل الزواج من فتاة - بيروتية - لم يرها أو يسمع بها أو يهفو إليها قلبه.
وهنا دبر له بعض شيوخ قومه وأبناء عمومته أمر لقائه بالعروس الشاعرة الباهرة الجمال التي تلهج الشفاه والأفواه بمحاسنها على طول البلاد وعرضها، حتى إذا ما تيسر لقاؤهما ضحكا طويلا معا حتى استلقيا على ظهريهما.
بل إن الجليلة بنت مرة استعذبت تلك اللعبة طويلا، التي تتيح لها في كل مرة الالتقاء - بحبيبها - كليب على مرأى من الجميع، حتى ترضى عن اقتناع من الزواج وربط مصيرها الأزلي به. - فأنا لست سلعة أو بضاعة لإيقاف رحى الحرب على جثتي!
حتى إذا ما افتضح في النهاية أمر لعبتهما وعبثهما تنفس الجميع الصعداء مستبشرين بوضع حد لتلك الغزوات والمنازعات بين أبناء «البيت الواحد»، فأنشد الشعراء الجوالون وتغنوا بقصة حب الجليلة بنت مرة وكليب، المرادفة للسلم بدلا من الحرب والعدوان.
إلى أن حل بالجميع ذلك العدوان الغاشم الذي قاده التبع حسان اليماني، فجاء ضاريا مؤذيا بأمن الجميع.
Página desconocida