وكان أن لجأ إلى سلسلة حيله ومكائده، كما تصفه السيرة بدقة فائقة مع ملاحظة صراعه داخل قلعة «صهيون» تلك. «ثم إنه أخذ حماره، ونزل عنه بضاعته، ففردها ونظر ما فيها، وبعد ذلك حزمها، ووضعها على الحمار، وبقي في ذاته محتار، ثم أنه شلح ما كان عليه من الثياب بدون ارتياب، وتزيا بزي أبو بشارة العطار، وساق قدامه الحمار، وقال له: الله يحرق عظام صاحبك ابن الأوغاد. وسار في تلك البراري والوهاد، وسار على قلعة صهيون، وصاح أنا الحنون، ساقي الضد كاس المنون، ومعي فلفل وكمون وحنة وأساور وأبر وحلتي ودهان أحمر، وسيبداك وخطوط لكم البضائع في هذه السفرة يا بنات. فتكاثرت عليه النساء من كل مكان، فصار يكبش ويعطي لهم بلاش من غير دنانير، ويقول لهم: هل من سفرة كسبنا شيء كثير؟ فعادوا به بكل شفة لسان، فتركهم وسار في تلك البراري والكسبان، ولم يزل أبو زيد ساير حتى وصل إلى قلعة صهيون وتلك المعالم، فما نظر إلى واحد، فنزل له واثب على الأقدام، والتقاه بالترحيب والإكرام، وأجلسه بجانبه على مراتبه، وأمر له بالخمر والشراب، فقال أبو زيد في سره: أنا عمري ما شربته، وكيف أشرب الآن؟! وعاد بأمره محتار من هذا الضرر، فقال له صاحب القلعة، وكان اسمه حنا: علامك يا بشارة ما تشرب وتضرب؟ فقال له أبو زيد: ما لي حاجة حيث حلفت عنه يمين جمعة كاملة أنني لا أذوقه؛ لأن من خاطري قتل هؤلاء الأسارى، وأسقيهم كأس الذل والخساء. فقال له: ونحن عندنا ننظرك حتى أنك تحضر، وتفعل فيهم مرادك. فقال لهم أبو زيد : لأجل أن أسقيه كأس الهوان. فلما أحضروه نظر إليه إلى أن تمكن أبو زيد في النهاية من الانتصار على عدوه الصهيوني عقب سلسلة من المكائد والتحولات السحرية، أنشد خلالها أبو زيد أبلغ الأشعار والمراثي الذاتية:
عتب على دهري وفي سهيوان
2
أرماني
عند قوم بين القاصي والداني
الدهر دولاب لا تأمن له بالك
في أرض صهيون هذا اليوم أرماني
فخلى حماي وحلى هل بضاعة
حتى أروح سواح في آخر البلدان
وأعمل وليمة وأجمع فرسانك
Página desconocida