ومن فضائله عليه السلام الريح التي أنشأها الله تعالى يوم وقعة حضور وذلك أن السلطان لما أمر جنوده وحشد عساكره فتلاحم القتال واشتد الوطيس وكان المسلمون يومئذ فئة قليلة في مقدار القوم، وأمير المؤمنين في موضع فئة لهم ومعه من عيون الفضلاء وغيرهم وهو يبتهل إلى الله بالدعاء ويستمطر سحاب النصر إذ أنشأ الله ريحا كالإعصار تحمل تربة إلى الحمرة ما هي، ثم عندها شد المسلمون على أعداء الله فولوهم الأدبار لا يلوي أحد منهم على صاحبه، فكم من صريع تنوشه السيوف وتحوم عليه طيور الحتوف، حتى قتل منهم طائفة ليست بالقليل، وفاز المسلمون بالغنائم الجزيلة من سيوف الحلي والحياصات والمناطق من الذهب والفضة والدروع والخوذ والسيوف والخيل والبغال والملابس النفيسة، وحمل روؤس القوم حائط مدينة ثلاء والحمد لله رب العالمين، وذلك من أعظم الآيات، وهي أول باكورة وقعت في أعداء الله، وذلك من بركاته عليه السلام، وقال بعض الشعراء في ذلك اليوم من قصيدة أولها:
يامن إذا ما رأى الراؤون طلعته
ومن إذا ما بدت في الليل غرته
ومن أصابت به الأيام بغيتها
ومن به نالت الأيام منيتها
لما رأوا ملكا تعنو الملوك له
سبط اليدين فلا جعد ولا خرق
رحب الدسيعة لا جاف ولا نزق
صلت الجبين فلا واه ولا وهل
شمس الملوك الذي تحنو لطلعته
هذا الإمام الذي كانت لدولته
هذا مزيل ملوك الأرض قاطبة
هذا الذي كانت الدنيا تؤمله
هذا أبو الحسن المهدي ومن طلعت
في ليلة قام هذا الأمر متسقا
إلى أن قال:
سريت في ليلة يهوي النذير به
وجاءت الناس أفواجا كما وفدوا
ألقت إليك ملوك الأرض نخوتها
قاموا حيارى فلا طوع ولا نكر
إن طاوعوك يقولوا الملك مستلب
لا يعرفوا رجلا في نفسه كرم
جاءت إلى ملك في ثوبه ملك
وافى بألفين من عرب ومن عجم
دنوا إليك بما تحوي خزائنهم
فراح والخيل والأموال مسلبة
جاءت إلى حلب تهدي خزائنه
راحت إلى ملك تهفو البنود له
لا يجمع المال إلا ريث يفرقه أتاك مستنقذا ما قد ظفرت به
Página 51