159

Sirag al-muluk

سراج الملوك

Editorial

من أوائل المطبوعات العربية

Ubicación del editor

مصر

وَقَدْ هَدَانِ﴾ يعني إلى الإسلام ﴿وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾ (الأنعام: ٧٦-٨٠) . قالوا: يا إبراهيم أما تخاف من آلهتنا أن تصيبك بسوء لا تقوم به إن أنت سببتها وعبتها؟ قال: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. وكان آزر يصنع أصنامًا يعبدها قومه ثم يعطيها إبراهيم يبيعها، فيكسرها ويذهب بها إلى نهر لهم فيلقيها فيه على رؤوسها ويقول لها اشربي استهزاء بها وإظهارًا لقومه فساد ما هم عليه، ففشا ذلك عندهم من غير أن يبلغ ذلك إلى نمرود. فأول ما نادى في قومه أن نظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، يعني من الغيظ عليهم وعلى أصنامهم، فظنوا أنه مطعون وكانوا يفرون من الطاعون إذا سمعوا به، فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم، فدخل عليها وقد وضعوا لها طعامًا وشرابًا، فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربًا باليمين، وكسرها وقطع أيديها وأرجلها حتى جعلها جذاذًا وأراق طعامها وشرابها، وعمد إلى الفأس فعلقها في يد إلههم الكبير ثم خرج عنها وتركها جذاذًا، فلما رجع قومه من عيدهم دخلوا بيت أصنامهم، فلما رأوا ما صنع بها راعهم ذلك وأعظموه وقالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين؟ قال بعضهم لبعض: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم أي سمعناه يسبها ويستهزئ بها. فقال نمرود: فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون. فلما أتى إبراهيم ﷺ قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون. فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون. إنا قد ظلمناه بما نسبنا إليه ثم قالوا قد علموا أنها لا تضر ولا تنفع: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. قال: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون! فقال له نمرود لما سمع ذلك منه: صف لي إلهك الذي تعبد وتدعو إلى عبادته. قال إبراهيم: إن ربي الذي يحيى ويميت. قال نمرود: أنا أحيي وأميت. قال: كيف ذلك؟ قال: آخذ رجلين استوجبا القتل في حكمتي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفو عن الآخر فأكون أحييته. فقال إبراهيم ﵊: إن كنت صادقًا فأحي الذي قتلت بزعمك وأخرج روحًا من جسده من غير أن تقتله إن كنت صادقًا. وإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت عند ذلك نمرود ولم يرد إلى إبراهيم شيئًا وأمر به إلى السجن، فلبث فيه سبع سنين وجعل يدعو أهل السجن إلى الله تعالى وإلى الإسلام، حتى ظهر أمره وفشا وتبعه قوم كثير على دينه، فلما أرادوا أن يحرقوا إبراهيم وأجمع أمرهم على ذلك بنوا له جسرًا طول جداره ستون ذراعًا ووضعوه إلى سفح جبل منيف لا يرام ولا يرقى، وبلطوا الجدار فلا يمشي فيه شيء إلا زلق عنه وأذن مؤذن نمرود: أيها الناس احتطبوا لنار إبراهيم ولا يتخلفن عنها ذكر ولا أنثى ولا حر ولا عبد ولا شريف ولا وضيع، ومن تخلف عن ذلك ألقي في تلك النار. فعملوا في ذلك أربعين ليلة حتى إن المرأة منهم تنذر على نفسها نذرًا إن رجع غائبها أو أفاق عليلها لتحتطبن لنار إبراهيم، حتى إذا كمل ذلك قذفوا به إلى النار حتى إنه كان يسمع وهج النار على المسافة البعيدة، فلما بلغ ذلك وضع إبراهيم في كفة المنجنيق. قال وهب بن منبه ﵁: بلغني أن السماء والأرض والبحار وما فيها ضجوا إلى الله تعالى ضجة واحدة وقالوا: يا ربنا ليس في أرضك أحد يعبدك غيره فأذن لنا في نصرته. فأوحى الله تعالى إليهم: إن استغاث بكم فانصروه وأعينوه، وإن دعاني فأنا

1 / 162