Sirag al-muluk
سراج الملوك
Editorial
من أوائل المطبوعات العربية
Ubicación del editor
مصر
المتأكدة. وقال بزرجمهر: إذا خدمت ملكًا من الملوك فلا تطعه في معصية خالقك، فإن إحسانه إليك فوق إحسان الملك، وإيقاعه بك أغلظ من إيقاعه. اصحب الملوك بالهيبة لهم والوقار لأنهم إنما احتجبوا عن الناس لقيام الهيبة، فلا تترك الهيبة وإن طال أنسك بهم، فهو حسبهم منك. ولا تعط السلطان مجهودك في أول صحبتك له فلا تجد بعد للمزيد موضعًا. علم السلطان وكأنك تتعلم منه وأشر عليه وكأنك تستشيره. إذا أحلك السلطان من نفسه بحيث يسمع منك ويثق بك، فإياك والدخول بينه وبين بطانته، فإنك لا تدري متى يتغير لك فيكونون عونًا عليك، وإياك أن تعادي
من إذا شاء يطرح ثيابه ويدخل مع الملك في ثيابه فعل. وفي الأمثال القديمة: احذر زمارة المخدة. وقد قيل:
ليس الشفيع الذي يأتيك متزرًا
مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وفي الأمثال: لا تدل فتمل ولا توجف فتعجف. وقال الرشيد لإسماعيل بن صبيح: إياك والدالة فإنها تفسد الحرمة. وقال سليمان بن داود ﵉: لا تغش السلطان ولا تقعد عنه. وقالت الحكماء: شدة الانقباض عن السلطان تورث التهمة، وشدة الانبساط تفتح باب الملالة. واعلم أن من طلب العز بالذل كانت ثمرة سعيه الذل. أحرز منزلتك عند السلطان بمثل ما اكتسبتها من الجد والمناصحة، واحذر أن يحطك التهاون عما رقاك إليه التحفظ. أشقى الناس بالسلطان صاحبه كما أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقًا. من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم الغيظ وأطراح الأذى وصل إلى حاجته. وقال الأحنف بن قيس: لا تقبضوا على السلطان ولا تهالكوا عليه، فإن من أسرف على السلطان أوده ومن تضرع له تخطاه.
وقال ابن عباس: ثلاثة من عاداهم عادت عزته ذلة: السلطان والولد والغريم. واعلم أنه إنما يستطيع صحبة السلطان أحد رجلين: إما فاجر مصانع ينال حاجته بفجوره ويسلم بمصانعته، وإما مغفل مهين لا يحسده أحد. فأما من أراد أن يصحب السلطان بالصدق والنصيحة والعفاف فقلما تستقيم له صحبة، لأنه يجتمع عليه عدو السلطان وصديقه بالعداوة والحسد. فأما الصديق فينافسه في منزلته فيطعن عليه في نصيحته له، فأما إذا اجتمع عليه هذان الصنفان كان معرضًا للهلاك. وقال بعض الحكماء: من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة. وقيل: لا يوحشك من السلطان إكرام الأشرار، فإن ذلك للضرورة إليهم كما يضطر الملك إلى الحجام فيشرط قفاه ويخرج دمه ويقلع ضرسه. وفي الأمثال: لا حلم لمن لا سفيه له.
وكان ابن عمر ﵄ إذا سافر إلى مكة استصحب رجلًا فيه ما فيه، يستدفع به شر السفهاء وأهل الوغادة والدعارة. وقال المعتصم: إن للسلطان لسكرات، فمنها الرضى عمن استوجب السخط، والسخط عمن استوجب الرضى. ومنه قول الحكماء: خاطر من لج البحر، وأعظم منه خطرًا من صحب السلطان. وقال ابن المقفع لابنه: لا تعدن شتم السلطان شتمًا ولا إغلاظه إغلاظًا، فإن ريح العزة تبسطه في غير بأس ولا سخط. وقال ساميد أحد حكماء الفرس: أربعة أشياء ينبغي أن تفسر للفهم كما تفسر للبليد ولا يتكل فيها على ذكاء أحد: تأويل الدين وأخلاط الأدوية، وصفة الطريق المخوف والرأي والسلطان. واعلم أن السلطان إذا انقطع منك الآخر نسي الأول، فأرحامهم مقطوعة وحبالهم مصرومة، إلا من رضوا عنه في وقتهم وساعتهم. وإذا رأيت من الوالي خلالًا لا تنبغي
1 / 121