Cine y Filosofía: ¿Qué ofrece uno al otro?
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Géneros
نعرض فيما يلي استراتيجية جدلية نموذجية مناقضة لتلك الحجة. تكمن الفكرة في فرض المعضلة التالية على حجة فرانكفورت: العمليات التي تؤدي إلى قرار القاتل إما حتمية وإما غير حتمية، ثم إثبات أن حجته تخفق في تحقيق شروط أي من وجهي المعضلة. فلنتأمل ما سوف تصير إليه حجة فرانكفورت إذا كانت العمليات التي تؤدي إلى القرار غير حتمية. إذا كانت العمليات غير حتمية، فلن يعرف موجهو القاتل متى ينبغي لهم التدخل. لا بد أن يكونوا قادرين على التدخل قبل أن يختار، وإلا فلن يتمكنوا من التحكم في اختياره، بل سيجبرونه على إطلاق النار رغما عن إرادته. لكن متى يستطيعون التدخل؟ إذا حددوا وقتا بعينه وقالوا «إن جميع المؤشرات تدل على أن القاتل سيقرر ألا يطلق الرصاص، علينا التدخل الآن.» فهم لم يستبعدوا احتمالية اتخاذ القاتل قرارا مختلفا؛ إذ لا يزال لديه فرصة لاتخاذ خيار مختلف بما أن عقله يعمل وفقا لنظام غير حتمي. إذن تخفق الحجة في الوفاء بشروط الوجه الأول من المعضلة. والآن فلنتأمل الوجه الآخر، إذا كانت العمليات المؤدية إلى قرار القاتل حتمية، فسيصبح أي نشاط يفعله موجهوه بلا أهمية من المنظور الفلسفي. فما سيحدث قد تقرر بالفعل نتيجة تاريخ من المسببات الماضية يمتد إلى ما قبل ميلاد القاتل، وما سيفعله الموجهون قد تقرر ضمن هذا التاريخ ذاته. إذن ليس بوسع الموجهين إضافة أي شيء إلى سياق الأحداث الحتمي السببي؛ ومن ثم لا يمكننا استغلال وجودهم في القصة لإثبات أي حقيقة لها صلة بالعلاقة بين المسئولية الأخلاقية والتحكم التنظيمي في الأفعال التي لا نستطيع إثباتها إلا من خلال تأمل الحتمية السببية وتبعاتها الفلسفية. والسؤال حول ما إذا كانت المسئولية الأخلاقية تتطلب تحكما تنظيميا أم لا ينبغي محاولة فهمه من منظور مختلف. وهكذا تخفق حجة فرانكفورت في تحقيق شروط الوجه الثاني من المعضلة. ونظرا لإخفاق الحجة في الوفاء بشروط وجهي المعضلة كليهما، فقد أخفقت إذن كحجة. ربما توجد فرصة لإنقاذ حجة فرانكفورت من هذا النقد، لكن دعونا نعد إلى فيلمنا لنرى ما إذا كان بوسعنا إيجاد سبل دعم بديلة لموقف فرانكفورت وفيشر أم لا.
9
مذنب بلا ذنب ومجرم بلا جريمة
عندما يقدم لنا صناع «تقرير الأقلية» مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها، يخبروننا أن المجرمين المستقبليين سيقتلون لا محالة إذا لم يوقفهم أحد. ويقدمون دليلا مثيرا على هذا من خلال عرض هاورد ماركس، الذي لم يكن يفصله عن قتل زوجته وعشيقها، مثلما تنبأ العرافون تماما، سوى لحظات عندما يلقي شرطيو منع الجريمة قبل وقوعها القبض عليه. جريمة هاورد ماركس هنا هي الشروع في القتل. لكن فلنفترض على سبيل المثال أن شرطيي منع الجريمة ألقوا القبض عليه قبل لحظات من شروعه في أولى خطوات ارتكاب الجريمة؛ فما الإثم الذي ارتكبه في هذه الحالة؟ أهو حمل مقص في منزله؟ إن الافتراض الأخلاقي الأساسي الذي تقوم عليه مبادرة منع الجريمة يتمثل في أن ماركس الذي منع من ارتكاب جريمته لا يقل ذنبه عن ماركس الذي يقتل بالفعل. تتعدد الأسباب التي تجعلنا غير راضين عن هذا الافتراض الأخلاقي، لكن الفكرة القائلة بأن المجرمين المحتملين لا يتحملون مسئولية أخلاقية عن فعلتهم؛ لأن ارتكاب جريمة القتل هو قدرهم، ليست من بين تلك الأسباب. يسلط الفيلم دون شك الضوء على الحجة المعارضة. ولا ينهار الأساس الأخلاقي لمبادرة منع الجريمة في عين أندرتون إلا عندما يكتشف أن بعض المجرمين المستقبليين (أبرزهم أندرتون نفسه) لديهم مستقبل بديل. يوجد مبرر قوي لهذا بالطبع؛ إذا كان لأحدهم مستقبل بديل، فإنه يصبح لديه تحكم تنظيمي لأفعاله، وعندئذ لا تعد نبوءات العرافين موثوقا بها؛ فالشخص الذي يملك تحكما تنظيميا في شئونه قد يقرر تنفيذ جريمة القتل (وقد أوشك أندرتون على فعل ذلك) أو يمتنع عن ارتكابها. وإذا كان متحكما تحكما تنظيميا، لا يصبح مستقبله مقررا فعليا، ولا يصبح مذنبا بأي شيء لم تقترفه يداه. على الجانب الآخر، إذا لم يتح للمجرمين المستقبليين سوى تحكم توجيهي في أفعالهم، فقد تظل نبوءات العرافين في هذه الحالة صحيحة، وستبدو مبادرة منع الجريمة مرتكزة على أسس أكثر صلابة، على الأقل في هذا الجانب.
يستثير «تقرير الأقلية» بديهيات داعمة لفكرة أن التحكم التوجيهي يكفي وحده لوقوع المسئولية الأخلاقية. ويحقق ذلك عبر تقديم فكرة قاتل بحكم القدر ثم تطويرها على مدار السرد بما يكفي ليمكننا من الإجابة عن السؤال التالي: هل القتلة - بحكم القدر - معفون من المسئولية الأخلاقية عن أفعالهم، لا لسبب سوى أن «القدر» قد كتب عليهم القتل؟ وهو سؤال يتيح لنا التعقيد السردي للقصة وطريقة عرضها الإجابة عنه إجابة حاسمة، وهي بالنفي طبعا. لكن «تقرير الأقلية» فيلم في غاية التعقيد، ومن الصعب تحديد ما إذا كانت معتقداتنا البديهية قد تعرضت للتشويه جراء هذا التعقيد. لقد أثبت الفيلم براعة في التلاعب بمشاعر التعاطف لدينا، بدءا من تعاطفنا المبدئي غير المدروس مع مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها (إذ نرى وحدة منع الجرائم تنقذ أرواح أشخاص أبرياء) وانتهاء بكرهنا لها (إذ نشهد العديد من أساليب التعامل غير العادلة لا سيما فيما يتعلق ببطلنا التعيس الحظ أندرتون). وهكذا تتبدى مزايا مبادرة منع الجريمة باطراد أمام أعيننا مع تطور أحداث الفيلم؛ فلا ينقذ شرطيو منع الجريمة المزيد من الأرواح، بل يقضون وقتهم في مطاردة بطلنا، إلى أن يلقوا القبض عليه، ويرسلوه ظلما إلى جحيم «الهالة». لا يقدم الفيلم عرضا دقيقا للجانب المعيب أخلاقيا في مبادرة منع الجريمة، لكن الفساد السابق الكامن في المبادرة يكتسب أهمية محورية؛ فمع نهاية الفيلم يبلغ بنا التقزز مبلغه، من مبادرة منع الجريمة وما أحدثته من أذى، بما في ذلك الأذى الذي أوقعته بالعرافين أنفسهم. وفي خضم هذه الدراما الأخلاقية الصاخبة، يغفل الفيلم تماما تناول أحد جوانب منع الجريمة تناولا إشكاليا، ألا وهو فكرة التوافق التام بين المسئولية الأخلاقية والقدر، أو بعبارة أخرى: فكرة أن الأفراد مسئولون عن اختياراتهم حتى لو كان مقدرا لهم اتخاذ تلك الاختيارات.
قد لا يكون التحكم التنظيمي ضروريا لوقوع المسئولية الأخلاقية، لكنه يبدو مع ذلك في غاية الأهمية بالنسبة إلينا. والنهاية السعيدة، جزئيا، ل «تقرير الأقلية» ترجع إلى انتصار الفيلم للإرادة الحرة على القدرية. فمع اللحظات الأخيرة من الفيلم يختار لامار بيرجس الانتحار بدلا من القتل، على الرغم من أن العرافين تنبئوا بجريمة قتل. وعندما يثبت لامار خطأ العرافين، فإنه لا يثبت أنه مسئول أخلاقيا عن أفعاله فحسب (وهو أمر بديهي في كلتا الحالتين)، بل يثبت كونه قادرا على صنع أفعاله لا مجرد توجيهها. يثبت بيرجس أنه ليس مجرد دمية في يد القدر. تنطوي مبادرة منع الجريمة على إشكاليتين؛ الأولى: أنها غير عادلة (إما لأنها تعاقب أناسا لم يرتكبوا جرما بعد، أو لأنها تعاقب أناسا أبرياء تماما)، والثانية: أنها أنكرت أننا نملك تحكما تنظيميا في أمورنا، وصورتنا كما لو كنا أغراضا يعبث بها القدر. أدى الإخفاق التام للمبادرة إلى تمكين سبيلبيرج من تقديم نهاية سعيدة مزدوجة (أو نهاية سعيدة متعددة الأوجه إذا أخذنا في الاعتبار ما ينعم به الأبطال الباقون على قيد الحياة من سعادة)؛ إذ أدى تدمير المبادرة إلى وضع حد لنظام ظالم واستغلالي، وإعادة تأكيد عنصر ذي قيمة جوهرية في الوضع البشري، ألا وهو كوننا صناع أفعالنا ومصدرها. لقد نجح الفيلم في تقديم دليل على أن التحكم التنظيمي مكون مهم لما نقدره فيما يخص الإرادة الحرة، بالقدر الذي سمح لسبيلبيرج بتصوير نهاية سعيدة هانئة. بالطبع لا يقطع الفيلم أي خطوات جدية في سبيل إثبات أننا نمتلك تحكما تنظيميا في شئوننا، لكن من غير المعقول توقع اضطلاع فيلم بهذه المهمة.
أسئلة
إذا كان العرافون قادرين على التنبؤ الدقيق بمحاولات الشروع في القتل، فهل تصبح مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها مبررة وقتها؟ (تخيل نوعا من العقاب أقل قسوة من «الهالة».)
أتوجد طريقة تمكننا من فهم رؤى العرافين فهما فلسفيا؟
ما أوجه التشابه بين أنواع القدرية الثلاثة التي وصفناها في هذا الفصل؛ القدرية الميتافيزيقية والقدرية اللاهوتية والحتمية السببية؟ وهل تتساوى في قدرتها على تقويض الإرادة الحرة؟
Página desconocida