Cine y Filosofía: ¿Qué ofrece uno al otro?
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Géneros
6
فإرجاع القرارات الحرة إلى حدث سببي غير حتمي يجرنا إلى معضلة الحظ. إذا كان القرار الحر لا يرجع سببه إلى حدث سابق، فما الذي يمنع كونه مجرد نتيجة للحظ؟ وكيف يصبح إرجاع أفعالنا إلى أحداث عرضية سعيدة الحظ أو أخرى سيئة الحظ دليلا على حريتنا؟
على الجانب الآخر، يطرح التوافقيون وجهة نظر مختلفة للغاية حول العلاقة بين الإرادة الحرة والقدرية؛ فهم يعتقدون أن الإرادة الحرة تتوافق مع القدرية. من المنظور التوافقي يكون الفرد حرا في تصرفاته ما دام اختياره لا يخضع لتدخل الآخرين؛ أي ما دام مسئولا مسئولية كاملة عن أفعاله. يترتب على ذلك أن يصبح في وسع أتباع الرؤية الحتمية السببية والرؤية القدرية الميتافيزيقية على حد سواء القول بأن اختيارات المرء من صنعه هو. لكن ما يتطلبه الاختيار كي يصبح من صنع المرء مثار جدل كبير. يرغب التوافقيون في استبعاد حالات الإكراه (على سبيل المثال، عندما تضطر إلى الاختيار تحت تهديد السلاح أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو ربما تحت تأثير الإدمان). وفي معظم الأحيان، يرغب التوافقيون كذلك في استبعاد الحالات التي لا يمكن الجزم فيها بأنك قد قررت على نحو ملائم أن تفعل أي شيء على الإطلاق. على سبيل المثال، قد تتصرف دون تفكر واع، وفي تلك الحالة يبدو الفعل أشبه بحادث مفاجئ وقع لك، أو قد تتصرف عندما لا تكون متحكما تماما في قدراتك العقلية؛ أي دون أن تكون قادرا على التفكر مليا، كأن تكون تحت تأثير عقار ما مثلا أو في خضم نوبة ذهان.
خطت صفحات لا حصر لها في كتب الفلسفة لمناقشة مزايا كل من التوافقية واللاتوافقية. ويتصل بهذا الجدل جدل آخر حول العلاقة بين التصرف بحرية والمسئولية الأخلاقية. وكما شاهدنا لتونا، يعتقد التوافقيون أننا قد نكون أحرارا في تصرفاتنا حتى لو كانت أفعالنا قدرية. بعبارة أخرى: هم يرون أن في وسعنا التصرف بحرية حتى لو لم يكن بوسعنا التصرف على نحو مغاير للقدر. ويميلون أيضا إلى الإصرار على أننا مسئولون أخلاقيا عن أفعالنا الحرة؛ ومن ثم نصبح مسئولين أخلاقيا عن فعل ما حتى لو لم يكن بوسعنا فعل غيره. يرفض اللاتوافقيون بوجه عام هذه الرؤية. ويميلون إلى الإصرار على أننا لا نكون مسئولين أخلاقيا إلا عن الأفعال التي نملك اختيارا «حقيقيا» فيما يتعلق بفعلها من عدمه، والاختيار الحقيقي يتطلب مستقبلا غير محدد. في ضوء الرؤية اللاتوافقية، نحن لا نملك اختيارا حقيقيا فيما يتعلق بفعل شيء من عدمه إذا كان قد تقرر بالفعل أننا سنفعل ذلك الشيء.
رغم ذلك، يجدر بنا ملاحظة أننا نتعامل هنا مع قضيتين منفصلتين، تتعلق إحداهما بالإرادة الحرة بينما تتعلق الأخرى بالمسئولية الأخلاقية. ربما يمكننا توضيح خياراتنا إذا تعاملنا مع كل قضية على حدة. وتلك هي الاستراتيجية التي اتبعها الفيلسوف جون مارتن فيشر (1994؛ 1998). يميز فيشر بين طريقتين يتحكم من خلالهما الفرد بأفعاله، ويطلق عليهما التحكم التوجيهي والتحكم التنظيمي. يمكن القول بأننا متحكمون توجيهيا في أفعالنا إذا كانت نابعة من تفكير يستجيب على نحو مناسب للمنطق. بعبارة أخرى: يصبح لدينا تحكم توجيهي إذا فكرنا فيها مليا، واستخدمنا المنطق من أجل توجيه قراراتنا. لا حاجة لنا باستخدام المنطق استخداما فعالا حقا؛ فربما نتخذ رد فعل بناء على أسباب طائشة، أو ربما نخفق في إعطاء الأسباب ما تستحقه من أهمية. مع ذلك، ما دمنا قد استخدمنا قدراتنا الفكرية استخداما يفي بالحد الأدنى المناسب، يمكن القول بأننا قد وجهنا أفعالنا. إن تحديد تفاصيل التحكم التوجيهي مهمة لا تختلف في جوهرها عن مهمة تطوير وجهة نظر توافقية فيما يتعلق بالإرادة الحرة؛ فالتحكم التوجيهي لا يتطلب القدرة على مراوغة القدر؛ فقد نتمتع بالتحكم التوجيهي في فعل ما حتى إذا كان مقدرا لنا مسبقا فعله، بل يتطلب التحكم التوجيهي أن نفعل فحسب قدرتنا على التفكر مليا على نحو ملائم. (لا يكافئ التحكم التوجيهي القدرة على تغيير مصيرنا.) على الصعيد الآخر، يعرف التحكم التنظيمي بأنه نوع من التحكم في الأفعال نمتلكه إذا كان بوسعنا حقا تنظيم حدوثها أو عدم حدوثها. ولكي نتمتع بالتحكم التنظيمي في أفعالنا لا بد أن نقدر حقا على اختيار مغاير لما قدر لنا؛ إنه يتطلب أن يكون المستقبل مفتوحا أمامنا حقا. هكذا يميز فيشر بين مفهوم توافقي للتحكم في أفعالنا (التحكم التوجيهي) ومفهوم غير توافقي للتحكم في أفعالنا (التحكم التنظيمي). تذكر أن علينا الإجابة عن سؤالين مختلفين: ما المطلوب منا كي نملك إرادة حرة؟ وما المطلوب منا كي نصبح مسئولين أخلاقيا عن أفعالنا؟
يعتقد فيشر أن التحكم التوجيهي فقط ضروري لوقوع المسئولية الأخلاقية. قد نحتاج إلى التحكم التنظيمي إذا أردنا أن نوصف بأننا أحرار بمعنى الكلمة، لكننا نحتاج إلى التحكم التوجيهي كي نصبح مسئولين أخلاقيا عن أفعالنا. يوظف فيشر ها هنا حجة طرحها فيلسوف آخر، وهو هاري فرانكفورت، الذي حاول إثبات أن التحكم التوجيهي هو نوع التحكم الوحيد الذي تتطلبه المسئولية الأخلاقية. تعتمد حجة فرانكفورت على تجربة افتراضية؛ تخيل قاتلا محترفا عقد عزمه على قتل مرشح سياسي أثناء حشد انتخابي. لقد اتخذ القاتل قرارا نهائيا بتنفيذ عملية الاغتيال، لكن من يعمل لديهم قرروا اتخاذ إجراء احترازي؛ إذ زرعوا داخل دماغه شريحة إلكترونية؛ صمام أمان يضمن تنفيذ المهمة. فإذا تملك الخوف القاتل في اللحظة الأخيرة، وأوشك على اتخاذ قرار بالتراجع عن التنفيذ، يجري تنشيط هذه الأداة، وترسل إشارة إلى دماغ القاتل تجبره على اتخاذ قرار بإطلاق النار. والآن تخيل أن القاتل نفذ بالفعل العملية دون الحاجة إلى تفعيل صمام الأمان؛ حينئذ يبدو من الواضح أنه مسئول عن فعل إطلاق النار. ومع ذلك، فإنه قدر له اتخاذ قرار بإطلاق النار، ولم يكن بوسعه فعل أي شيء آخر إلا اتخاذ القرار الذي اتخذه. من الممكن إذن أن يكون المرء مسئولا مسئولية أخلاقية كاملة عن أفعاله حتى لو لم يكن بوسعه تقرير فعل شيء مخالف؛
7
ومن ثم من الممكن أن يصبح المرء مسئولا مسئولية أخلاقية كاملة عن أفعاله حتى إذا لم يتحكم فيها على نحو تنظيمي.
لم تقنع حجة فرانكفورت الجميع.
8
Página desconocida