Cine y Filosofía: ¿Qué ofrece uno al otro?
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Géneros
في الفصلين السابقين، بحثنا الأخلاق بطريقتين مختلفتين. أولا: طرحنا السؤال التالي: «ماذا يدفعنا لالتزام الأخلاق؟» ثم طرحنا هذا السؤال: «ما الذي يجعل الأفعال صائبة أو خاطئة؟» وقد تساءلنا على وجه التحديد عما إذا كانت الأفعال تصبح صائبة أو خاطئة، إذا أوفت بالمبادئ الأخلاقية التي تندرج تحتها أم إذا أدت إلى أفضل العواقب من الناحية الموضوعية. في هذا الفصل، سوف نلقي نظرة أخرى على الأخلاق لكن من زاوية أخرى؛ فبدلا من التركيز على أنواع الأفعال والخصائص التي تجعلها صائبة، سوف نركز على الناس، ونتساءل عما يجعل الأفراد صالحين أو فاسدين من المنظور الأخلاقي. وبينما نتولى ذلك، سنتحرى نظرية يطلق الفلاسفة المعاصرون عليها اسم نظرية الفضيلة.
دليلنا في هذا الفصل هو فيلم «الوعد» (لا بروميس) من إخراج المخرجين البلجيكيين جان بيير داردين ولوك داردين عام 1996. كالعادة، ننصحك بمشاهدة الفيلم قبل مواصلة القراءة (إذ سنفسد عليك الكثير من أحداث الفيلم فيما يلي). جذب الأخوان داردين الانتباه الدولي للمرة الأولى مع فيلم «الوعد»، ومنذ ذلك الحين قدما سلسلة من الأفلام المتميزة مثل: «روزيتا» (1999)، و«الابن» (لو فيس) (2002)، و«الطفل» (لا أنفا) (2005)، و«صمت لورنا» (لو سيلانس دو لورنا) (2008) جميعها تركز على الحياة الأخلاقية لأناس يواجهون تحديات أخلاقية شديدة . إن أكثر ما يميز أعمال الأخوين داردين من وجهة نظرنا هو استكشافها لاحتمالية الصلاح والتطهر الأخلاقي، وما تعكسه من جمال ، اسكتشافا يراعي الدقة ويبتعد عن العاطفية. ربما يبدو «الوعد» فيلما بسيطا ذا إيقاع بطيء عندما تشاهده للمرة الأولى، لكنه في الحقيقة مكتوب بحرفية لا تقل عن أي فيلم آخر قد تراه (على سبيل المثال، سيناريو فيلم «الوعد» مكتوب بحرفية ودقة تفوق سيناريو فيلم «فارس الظلام»). يتضمن الفيلم قدرا كبيرا من الأحداث، ويتصاعد التوتر به بلا توقف، ومشاهدته تجربة تستحوذ على المرء بمجرد أن يؤقلم نفسه مع أسلوبه البسيط البعيد عن البهرجة. يكشف الفيلم عن دفقات قوية من المشاعر لكنه لا يستخدم في ذلك سوى أكثر السبل مباشرة؛ أي عبر مشاهدة الشخصيات وهي تتصرف وتتحدث، وعبر ملاحظة التعبيرات على وجوههم وأجسامهم في أثناء ذلك. إن الغياب التام للموسيقى التصويرية، والمشاهد ذات الإطار الضيق، المصورة في معظم الأحيان بكاميرا محمولة، تضفي على الفيلم من الخارج طابعا وثائقيا، لكن نظرة متفحصة له ستكشف عن أن كل مشهد قد أعد بعناية. تكمن قوة أسلوب الأخوين داردين في قدرتهما على تركيز انتباه المشاهدين على طريقة حياة الشخصيات في بيئتها، لا على الكيفية التي يعيشون بها في محيط خيالي. بعبارة أخرى، ينصب التركيز على الكيفية التي يعيشون بها في بيئة حقيقية (على ما يبدو). فتدور أحداث الفيلم في محيط فوضوي كريه ومزعج، يبدو طبيعيا لا معدا خصوصا للتصوير. نراقب الشخصيات وهي تصعد السلالم، وتمر عبر الأبواب، وتستقل سيارات، وتسير في الشارع. أحيانا نراها من الخلف أو من جانبها أو من الأمام. يبدو الأمر أشبه بمشاهدة الأحداث بوصفك متفرجا عابرا لا كمشاهد لمشهد أعد خصوصا لأجله. وعلى العكس من الإعدادات السينمائية التقليدية (إعداد المشاهد)، حيث يكون الهدف هو تحسين عملية إيصال المعلومات السردية؛ ما الذي يحدث؟ من يتحدث إلى من؟ من يتحكم في الموقف؟ ما الذي يشعر به أولئك الناس؟ ما هي دوافعهم؟ ما أنواع شخصياتهم؟ يهدف أسلوب الأخوين داردين إلى إظهار تصرفات الأشخاص كما لو كانت طبيعية تماما، وكما لو كان صناع الأفلام قد صوروها مصادفة. وهكذا تبرز المعلومات السردية على نحو غير متعمد فيما يبدو .
1
يشبه أسلوب الفيلم أسلوبا يدعى «سينما فيرتيه» أو سينما الواقع، وهو أسلوب له تاريخ طويل وبارز في السينما. يستخدم الأخوان داردين هذا الأسلوب استخداما متميزا لأن المهارة الكامنة خلفه مستترة على نحو بارع. يبدو تطور قصة الفيلم أمرا تحكمه الصدفة تقريبا، كما لو أن أحد المشاهد يمكن الاستعاضة عنه بسهولة بمشاهد أخرى لا حصر لها؛ لذا يبدو من الوهلة الأولى أن قدرا ضئيلا من المعلومات الدقيقة هي التي تنقل عبر المشاهد. لكن في الحقيقة، كل مشهد مصمم بحيث يبعث رسالة خاصة عن حياة ومتاعب الشخصية الرئيسية، إيجور، ولا يمكن الاستعاضة عنه بسهولة بمشاهد أخرى.
2
يواجه إيجور مشكلات بالغة الجدية. هو صبي يبلغ من العمر 15 عاما، ويعمل ميكانيكي سيارات تحت التمرين، لكن عمله الحقيقي هو مساعدة والده، روجر، في نشاطاته الإجرامية الكريهة والمتعددة. (ما يسفر بالطبع عن فصل إيجور سريعا من وظيفته كميكانيكي تحت التمرين.) في بداية الفيلم، نراه يسرق حافظة نقود من عميلة، لكنه سيرتكب أفعالا أفظع مع توالي الأحداث؛ فهو يساعد والده على إدارة ما يشبه نزلا للوافدين غير الشرعيين إلى بلجيكا (وهم أناس سيواجهون خطر الترحيل إذا اكتشفهم مسئولو الهجرة البلجيكيون). يأتي أولئك الأفراد من أماكن متنوعة مثل يوجوسلافيا وكوريا وأيضا من دولة بوركينا فاسو غرب الأفريقية، التي تلعب دورا محوريا في أحداث الفيلم. يستغل روجر هؤلاء المهاجرين كعمالة رخيصة ويبتز أموالهم. ويبدو أيضا أنه يدير عمليات التهريب التي تجلب أولئك المهاجرين غير الشرعيين إلى بلجيكا أو ينتفع منها على الأقل. ولكي يتخلص من مضايقة مسئولي الهجرة، يختار بعضا من ساكني النزل الذي يملكه، ويسمح لشرطة الهجرة باعتقالهم وترحيلهم، ويستعين بإيجور في تنفيذ هذه العملية. يبني روجر منزلا لأجل ابنه، كما يخبر المشاهدين في المشاهد الأخيرة من الفيلم. ويسود موقع البناء اضطراب وفوضى يشكلان خطرا على الأفراد؛ فأعمال البناء تنطوي على خطورة، ويتجاهل القائمون عليها تدابير الأمان. وفي أثناء سير العمل، تجتاح الموقع شرطة التفتيش على العمل، فيندفع العمال باحثين عن أماكن للاختباء، ويسقط أحدهم من على السقالة (إذ لم يكن يرتدي حمالة الأمان). يدعى هذا الرجل حميدو، وهو من بوركينا فاسو، وقد أتت زوجته (أسيتا) وابنه لتوهما من هناك ليعيشا معه في بلجيكا. وبينما يستلقي حميدو على الأرض؛ إذ يعاني من إصابات خطيرة، يدفع إيجور إلى أن يعده بالعناية بأسيتا والطفل. رغم ذلك يسارع إيجور بإخفاء الرجل المصاب، ويساعد أباه في الكذب على المفتشين. وبعد مغادرتهم يحاول نقل حميدو إلى المستشفى لكن أباه يرفض رفضا قاطعا. وعليه، يخضع لأوامر أبيه، ويساعده على إخفاء حميدو تحت قطعة من المشمع يعلوها لوح من الخشب (باب خشبي منفصل) ويغطون آثار الدماء بالرمل. يموت حميدو في وقت لاحق خلال اليوم، ويدفنه روجر وإيجور ليلا في موقع البناء. يركض إيجور، ويترك أباه في خضم عملية الدفن؛ فالموقف أقوى من قدرته على الاحتمال.
هذا هو الإطار العام الرئيسي للفيلم الذي يركز على رد فعل إيجور التدريجي على النكبة الأخلاقية، المتمثلة في موت حميدو، والذنب الذي يقع على عاتقه وعلى عاتق والده جراء هذا الحادث (رغم أن الجزء الأكبر من هذا الذنب يتحمله الأب بالطبع). يبدو رد فعل إيجور بسيطا جدا من إحدى النواحي؛ فهو يفي بالوعد الذي قطعه لحميدو. لكن وصف الموقف على هذا النحو لا يوفي التجسيد الفطن الذي يقدمه الفيلم لصحوة إيجور الأخلاقية حقه. وهذه الصحوة هي اللب الفلسفي للفيلم.
3
يفي إيجور بوعد قطعه لرجل يحتضر. وفي النهاية، يفعل الصواب. لكن ما السبيل الأمثل لفهم هذه المسألة برمتها من وجهة نظر أخلاقية؟ هل صحوة إيجور الأخلاقية تنبع من وفائه بالتزام قطعه على نفسه فحسب؟ هل أصبح إيجور شخصا جديرا بالاحترام من المنظور الأخلاقي عندما أوفى بوعده (بدلا من كونه سارقا وكذابا)؟ هل يوجد سبيل أفضل لوصف ما يحدث لإيجور على مدار أحداث الفيلم؟ يؤسس إيجور هوية أخلاقية واضحة في الفيلم، لكن كيف ينبغي لنا وصف هذه الهوية؟ كيف لنا أن نصف شخصية إيجور الجديدة؟ يؤمن منظرو الفضيلة أن العنصر الأهم في هويتنا الأخلاقية هو تمتعنا بفضائل (ورذائل)، ويميلون إلى رؤية الفضائل من وجهات نظر معقدة. فكونك شخصا فاضلا يختلف عن كونك شخصا يميل إلى فعل الصواب؛ فالفضائل أعقد من مجرد فعل الصواب، إنها (لا سيما الفضائل الأخلاقية) سبل متميزة أخلاقيا للعيش. يطرح فيلم «الوعد» دعما قويا لنظرية الفضيلة، أو هكذا سنزعم في هذا الفصل. لكن دعونا أولا نعرض خلفية عامة عن الفضائل ونظرية الفضيلة.
ما هي الفضيلة؟
Página desconocida