وهكذا راوغ مراد أباه عن دخلية نفسه وعن الأمل الذي طالما أخفاه لقد كان يريد أن يكون هو نائبا، وليس يعنيه أن يكون أبوه أو لا يكون، ولقد دبر فيما دبر أنه ما دامت سنه لا تسعفه لنيل هذا المنصب فلماذا لا يسبقه فيه أبوه.
ويخلف هو أباه وتكون الطريق قد مهدت، ويكون قد لف الدائرة وعرف من لم يكن يعرف، وعرفه من لم يكن سمع عنه.
وما كان اختياره نازلي فيمن عرضه عليه مدني إلا لأن أباها عمدة لأكبر بلد في الدايرة إلى جانب ثرائه، وهكذا وجد في نازلي كل الذي يحقق ما تهفو له نفسه، ويدني له من الأمل المتشبث به تشبث الإنسان بالحياة.
قال أبوه: ومن أين نبدأ؟ - وهل المسألة عايزة تفكير؟ - كيف؟ - نبدأ بالباشا. - أي والله صحيح نبدأ بالباشا.
6
قال مراد للباشا: أتكلم أنا أم يتكلم أبي؟ - وهل هذا السؤال ما دام أبوك موجودا فالكلام يكون له. - طبعا الأمر كما تقول معاليك، ولكن أريد أنا أن أتكلم.
وضحك الباشا وقال: والله كبرت يا مراد وأصبحت تلف وتدور على سياسي محترف. - أولا معاليك لم تهنئني. - ألم أحضر فرحك؟ - وهدية معاليك تتصدر المديرية كلها لا بيتنا فقط. - إذن فيم أهنئك؟ - بالحاج دياب الصغير.
وأراد الباشا أن يبدو مسرورا كل السرور وهو يقول: كذا! أنت لحقت! ألف مبروك، وقبل أن نتكلم افتح يدك. وأخرج محفظة والتقط منها ورقة كبيرة واستطرد قائلا: نقطة المولود يا أبا دياب.
وأعطاه ورقة بمائة جنيه وقال الحاج دياب: كثير يا معالي الباشا هذا كثير!
وقال مراد: لا يا ابا أنا عند الباشا مثل نديم بك، وأنا أعرف ذلك، ربنا يطيل عمرك يا معالي الباشا ويكرمك.
Página desconocida