وأما صفة ذاته الزكية المقدسة بالرحمة والتحية، فهو من أحسن الناس وجها، وأتمهم خلقة، وأقربهم إلى الإصفرار والرقة، ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا القصير، وكأن بنانه الأقلام ترعف بالبركة لمن قصده من الأنام بوجه أبيض قد غشاه نور الإيمان وسيماء الصالحين، قد أحاط بذاته من كل مكان، صفا قلبه على وجهه يلوح، ونوافح مسك الحكمة من فيه يفوح، رقيق القلب، ذائب الأطراف، ذو سكينة ووقار وحياء ما عليه غبار، سريع المشية، غير ملتفت إلا إلى قصده، إذا مشى كأنه راكع من الإطراق، أو خائف من ضارب الأعناق، إذا خرج نهارا ازدحم الناس على تقبيل يده، والتشبث بأهدابه، والتبرك برؤية وجهه، وهو يكره ذلك وينفر عنه، يغضب إذا مدح، ويقول: يا فلان، دع هذا لمرء يفرح به ويسر إذا نصح، سمعته يقول غير مرة: يا ليت لي مؤدبا، من رآه بديهة هابه، وانفتح له قلبه محبة، ويقول الرائي: من هذا الذي ملأ قلوبنا نورا، ووجوهنا حبورا ؟ فيقال: هذا إبراهيم الكينعي، فيقول الرائي: سبحان من يصطفي ويعطي-بلسان حال الرائي-، من قبل يده المباركة وجد لها حلاوة، وعليها طلاوة، ويود تقبيلها على الدوام، ما وضع يده على قلب قاس إلا رق وانشرح، ولا على أليم إلا سري عنه، ولعينيه فتح، إذا تلا الكتاب العزيز سمعت في جوفه الأزيز، إذا رآه العلماء تواضعوا لرؤيته، وعكفوا على اقتطاف ثمرات حكمته، وإذا رآه أبناء الدنيا عافوها، وودوا أن لم يحوزوها من الذلة والانكسار والحياء منه، وللأزوار يقول لسان حالهم: إذا كان [هذا](1) عند الله بالمنزلة العالية، وهو في هذه البزة البالية، وسأذكر من رفض الدنيا لرؤيته -إن شاء الله تعالى- وإن رآه أهل المعاصي والفسوق أعجمهم القلق، ورشحت أجسادهم بالعرق، وارتعدت أوصالهم بالفرق، واستحيوا من الله عند رؤيته، وأضمروا التوبة، وسأذكر من تاب على يديه في موضعه -إن شاء الله تعالى- وأفرغ القلم بالاختصار، والمفصل عن الإحاطة بصفاته الغزار؛ لأنها فردوسية، وأجنحته غرابها(1) طاووسية تستملح، وبها إلى الخيرات تستفتح، ومن بركاته نستفتح ونستمنح، وبها إلى معالم الهدى يستنصح، -إن شاء الله تعالى-.
وما أجدره بما قيل:
إني وإن كنت المحب له يقينا
(ولست)(2)أما هنا بمقتدر
قد أعجز الواصفون وصف غرته
إن بحار الكلام قاطبة ... واصف في حلية الوصفه
للعجز مني على بيان صفه
رويك في السير أنه الرصفه
Página 60