وخاطبناك عند البين وخاطبتنا، وما عرفنا أن السماء كانت وقتئذ تكلم الأرض من شفتيك بألفاظ لها ما بعدها.
ونظرت إلينا طويلا تلك النظرة التي لا تكون إلا ممن يعرف حتى لا ينكر شيئا، أو ممن ينكر حتى لا يعرف شيئا، فإذا أنت تنكر من أعماق الأزل في تراب هذا العالم، ونحن لا ندري.
وسألنا الله أن يردك علينا أيها العزيز، فأثبت لنا أنك من أعز ما في الحياة حتى سقط دونك الأمل، فلا يتمثلك إلا الفكر وحده. •••
وذهبت إلى بيت الله متجردا من الدنيا ليس لك منها إلا جسمك؛ لتخف إلى محبته ورضاه، فلما شاهدت التجلي الأعلى تجردت من جسمك أيضا، واتصلت بنوره - سبحانه وتعالى - فلقد خلعت الدنيا مرتين، ومات بعضك في مصر، وباقيك في الحجاز، وخلصت روحك إلى ربها كما تخلص الجوهرة صافية متلألئة بعد استخراجها من معدنها مرة، وصقلها للرونق مرة أخرى.
وأبى الله لروحك الطيبة إلا أن تمر في بيته قبل أن تمر إليه، فتسبح في نور الملائكة، وتتنسم ناحية مهبها وهي تصعد أو تنزل بالرحمة على الحجيج،
5
وتستضيء بتلك الشعلة القدسية التي أضاءت في الكعبة من وجه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ثم من سرائر أصحابه الطيبين، ولا يزال ضوؤها هناك كضوء الكوكب ملتمعا في سواد الحجر الأسود. •••
واختار الله لك بعد إذ انغمست في نوره أن تصعد إليه فلا ترجع من ذلك النور الأزلي إلى ظلام الدنيا، ولا تعود من النبع السماوي إلى حمأة الأرض، ولا تحل في بيت من بيوت الخلق بعد بيته هو، عز وجل!
واختار لك ما عنده على ما عندنا؛ فما في أيام هذه الحياة إلا غبار يثور على غبار، ولا في الناس إلا أحجار تتحطم على أحجار، ولا في أخلاقهم إلا أقذار تنصب على أقذار، ولا بين الحوادث والناس إلا كما بين الرياح والقفار، ولا بين الإخوان والإخوان إلا كما تجمع الأصفار من الأصفار ...
Página desconocida