قالت: إني أعد الزواج أسرا واستعبادا، وقد بلغت من العلم مبلغا لا أرى فيه أن تكون حريتي محدودة بسلطة رجل بين كلمتين: لا، ونعم، فآثرت أن أتخلص من الحب بالوقوع فيه لأعرفه، وعرفته لأتقيه على نفسي، وأتقيه لأبتلي به، ولأصرفه في منافعي؛ فليس لي في الاجتماع زوج، ولكن لي الحب، وليس لي فيه أهل، ولكن لي الجمال.
قلت: أفلا يتسلط على حريتك الدينار والدرهم ... وإذا أنت بقيت للجمال، فهل الجمال سيبقى لك؟! وإذا كانت لك مدة في الحب، فهل هو خالد عليك؟ ... ألا ترين أنك تزرعين في أيام الحب بذور أيام الحسرة، وأنك متى كبرت عن سن المرآة
21 ... فستنتهين لا محالة إلى أمد من العمر يخيم عليك في مظلمة كالقبر؛ لا نهار فيه ولا ليل؟ وهل أنت من المجتمع الإنساني إلا مقام الصبي من أهله؛ إذ لا مذهب لك من دونه، ولا غناء في نفسك إلا به؟ أفترين للصبي أن يتفلت من نظام أهله، ويتحلل من آدابهم، ثم لا تكون وسيلته إلى ذلك إلا أن ينقلب لصا بيته بيوت الناس جميعا، فليس له في الاجتماع مال، ولكن له السرقة ... وليس له فيه أهل، ولكن له الحيلة ... بذلك، ولا جرم كنت في لغة هذا الاجتماع معنى من معاني السخرية والمقت!
قالت: فأنا في الاجتماع تعاسة، وبهيمة، ورذيلة، وفقر، وضلالة، وسخرية؟ ولكن ألست ترى هذه الصفات بعينها في كل الناس على بعض التفاوت في مقاديرها، والتنوع في أشكالها، والاختلاف في أسبابها؟ وهل الرجل الفاجر إلا كالمرأة الفاجرة؟
قلت: لقد فجر من الرجال من لا تحصيهم الملايين، فهل علمت أن فاجرا منهم حمل تسعة أشهر ووضع! ألا ترين أن الطبيعة جعلت لكل حكما، وهيأت لكل موضعا! وهل سواء في الطبيعة الألم وخطره، وعاقبته على الحياة أن يكون الدمل على ظاهر الجلد؛ حيث يتلذع على نفسه، ويرى ويحد، وأن يكون في باطن الجوف؛ حيث يخشى منه على غيره أكثر مما يخاف على موضعه؟
قالت: فكأن الرجل عندك أطهر فجورا ... من المرأة؟
قلت: بل هو هي في اللعنة والسقوط، والنعل أخت النعل ... واثنتاهما على طراق واحد،
22
ولكنه إن لم يكن أعقل من المرأة بفكره؛ فهي أعقل منه بحواسها، وإن يكن أقدر في قوته؛ فهي أقدر في عواطفها، وإن يكن في البلية عود الثقاب
23 ... فهي بعد الحريق كله! ولذا كان من الطبيعي أن تحاط المرأة في الاعتبار بالمعاني الاجتماعية الكبرى؛ إذ كانت هي الغرض الذي تمتثله القسي الرامية؛
Página desconocida