وأما الرضيع، هذا اليتيم في حياة أبيه، هذا المسكين الذي ابتدأ تاريخه بجريمة لا يد له فيها، هذا الضعيف الذي لا يزال جلده أرق ديباجة من ورق الزهر، ومع ذلك تدق فيه منذ الآن مسامير الفقر واليتم والضياع؛ أما الرضيع اليتيم المسكين الضعيف، فكان وحده بين هذه المصائب الماحقة دليلا على الأمل الإنساني في رحمة الله، إذ فتح عينيه للنور وابتسم! •••
نزت كبدي
19
لما رأيت الحب الهالك يستنفض امرأة السجين، ويسوقها جامحة في عنان الغيظ تترامى على وجهها.
كانت المرأة غريقة في يأسها، وكان شاطئ الأمل يفر أمام عينيها فرارا؛ لأن بينها وبينه موجة دمعها.
وقد صدع الحب في قلبها صدعا ليغرز فيه الشوكة المستجدة من ألم الفراق لمن تحبه؛ تلك الشوكة التي ما نفذت قلبا؛ فاستقرت فيه إلا جعلت الحياة كلها معاني شائكة حتى تحطم أو تنتزع.
امرأة والهة، فيها نفسها المعذبة، وفي نفسها رجلها المعذب، وبين هذين طفلها اليتيم الذي يقتضيها أن تظل حانية عليه حنو أبوين؛ فهي تجمع على قلبها عذاب ثلاثة قلوب، وتتألم بنفسها الواحدة ألم الرثاء لزوجها الذي نزلت به العقوبة في جسمه وروحه، وألم الإشفاق على مجدها الذي نصب على أعين الشامتين في موضع الذلة، وألم الرحمة لطفلها الذي بلغ سن الهم، وهو لا يزال في الثدي،
20
وألم اللوعة لحياتها التي لم تعد الأيام تناجيها بغير لغة الدمع، وألم الأسى على شبابها الذي تساقطت آماله كما تحط الشجرة الخضراء أوراقها لتجف!
ألا يا ماء البحر، ما أنت على أرض من الملح؛ فبماذا أصبحت زعافا
Página desconocida