وقيل: إنه بعد أن غمس يده في الدم طار على وجهه تلفظه الأرض من جهة إلى جهة، حتى أسلمته يد النقمة إلى يد العدل! •••
ترى لو سألنا الوحش حين يفترس إنسانا: ماذا وقع في نفسك منه حتى ثرت به، وعدوت عليه؟ أكان يقول - لو أنطقه الله - إلا أنه أبصر في هذا المخلوق وحشا ماكرا خبيثا إن لا يكن في دقة ناب الثعبان، فهو في خطر سمه؛ وإنه لو رأى عليه سمت إنسان، وأبصر له نظرة إنسان، وأحس منه قلب إنسان للجأ من وحشيته إلى الإنسانية التي فيه؛ إذ الإنسانية هي حرم الأمن الإلهي الذي توضع عنده كل الأسلحة، حتى أسلحة الوحوش، وإذ الإنسان هو محرابها الذي تصرع عنده كل القوى، حتى قوى الطبيعة.
كأنما كبرت الإنسانية حتى عن أن تكون شيئا إنسانيا؛ فما هي فيمن ترى ممن حشو جلودهم ناس، وحشو نفوسهم بهائم؟ إنما الإنسانية هناك، بعد أن تخرج بنفسك من حدود الشهوات الأرضية، وترفعها فوق هذه الطبيعة، وبعد أن تعاني في شق طبقات النفس الحريصة طبقا عن طبق، مثل الذي يعانيه من يحفر في أصلب أحجار الأرض إلى غور بعيد!
فهناك لا تجد الأشياء، بل معانيها، وأسرارها، ولا الحوادث، بل أسبابها، وأقدارها، ولا نيران النفس، بل أضواءها وأنوارها؛ فترجع من ثم وفيك الناموس الذي ينبت الخضرة من العود المغبر،
7
ويخرج النار من الشجر المخضر، ويجعلك لبحر هذا الأزل كأنك مكان من البر. •••
كان السجين في بهو المحكمة، فصعد به الجند إلى غرفة «قاضي الإحالة»،
8
ووقفوه ساعة على مطل بين يديه فناء واسع أسفل منه، فتحول الناس إلى هذا الفناء، وتحولت معهم، وكان البطل يلوح كطرف المئذنة؛ فما هو إلا أن أدار عينيه في الناس حتى استقر بهما على ناحية، فنظرت حيث نظر؛ فإذا داء قلبه، وقلب كل من رأى ... ... ست نساء، وفتى، وطفلان، ورضيع؛ فأما واحدة فأمه، وأما الثانية فزوجه، والباقيات أخواته، والفتى فرع أبيه،
9
Página desconocida