Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Géneros
فأما الصحيح من هذا كله فهو أنها كانت تنقم من حكومة عثمان، وتتمنى لها الزوال.
ويجوز الشك بعد ذلك في كثير من نصوص الأحاديث التي نسبت إليها بصدد هذه الفتنة؛ لأن بني أمية مثلوا بأخيها محمد بن أبي بكر عند دخولهم مصر أبشع تمثيل، فقتلوه ظمآن ووضعوه في جوف حمار ميت ثم شووه ، وهذا بعد أن جروه من رجله في أسواق مصر، وأشهدوا على مثلته السفلة والصبيان. ثم أرسلوا قميصه الذي قتل فيه وهو بدمه إلى المدينة، فلبسته نائلة زوجة عثمان ورقصت به، وشوت أخت معاوية بن حديج خروفا وأهدته إلى السيدة عائشة - في ذلك العيد - وهي توصي الرسول أن يقول لها: هكذا كان شي أخيك! فما أكلت السيدة عائشة بعدها شويا قط وأقسمت لا تأكله حتى تلقى الله.
فلما تسامع المسلمون بأنباء هذه المثلة الشنعاء غضبوا للسيدة عائشة أن يشمت بها ولاة الدولة الجديدة هذه الشماتة، وخاف الأمويون من جرائرها، وندم عقلاؤهم على ما كان من سفهائهم، واحتاجوا إلى المبالغة في تشويه نصيب عائشة من فتنة عثمان، فأضافوا بألسنتهم وألسنة أتباعهم وصنائعهم أقاويل وأباطيل تمتزج بما نسب إلى السيدة عائشة، فلا يعرف منها الخالص والمشوب، ولا يسهل النفاذ من بينها إلى موقع المبالغة والتلفيق.
وخليق بنا أن نزداد حذرا من هذه المبالغات على قدر أصحاب المصلحة في قبولها. وقد اتفق على تكبير نصيب عائشة من التحريض على عثمان مصدران متناقضان، وهما مصدر أصحاب معاوية ومصدر الشيعة أصحاب علي: يريد الأولون ما قدمناه من تخفيف وزرهم في المثلة بأخيها والحيف عليها، ويريد الآخرون أن يبطلوا موقفها من مطالبة علي بدم عثمان، وأن يثبتوا براءة علي من دم الخليفة القتيل ومشاركة عائشة في مجمة قاتليه، فضلا عن مصلحة القاتلين أنفسهم في التعلل بهذا السند الذي يعفيهم من لوم كثير. •••
كذلك بدأت السيدة عائشة مشاركتها الأولى في السياسة العامة، وهي إلى الاضطرار أقرب منها إلى الاختيار.
أما مشاركتها الثانية فقد كان اختيارها فيها أكثر من اضطرارها؛ فإنها تلقت خلافة علي من مبدئها بالسخط والمقاومة، وأذنت لبعض الطامحين إلى الخلافة أن يتوسلوا بجاهها ويشركوها معهم في خصوماتها، وكان أكرم لهم ولها لو أنهم جنبوها هذه الخصومة، وأنزلوها بحيث يعتصم بها الفريقان، ويستوي في جيرتها العسكران، فتركوا لها مندوحة للمراجعة يوم دعاها الدعاة بعد تفاقم الفتنة إلى السعي بينهم بالتوفيق.
وأصوب ما قيل في هذا المعنى مقال ذلك الفتى السعدي الذي تصدى للزبير وطلحة فقال لهما: أما أنت يا زبير فحواري رسول الله، وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله بيدك، وأرى أم المؤمنين معكما، فهل جئتما بنسائكما؟
نعم، لقد أصاب ذلك الفتى من بني سعد حين أقام الحجة عليهما بهذا السؤال الذي يغني عن كل جواب، فما من أحد يلومهما أن يوافقا السيدة عائشة في الرأي أو توافقهما فيه، وإنما الملام الذي لا محيص عنه أن يتجاوزا النداء برأيها إلى الخروج بها في حومة قتال، وهما لم يخرجا إليها بالمحارم والأزواج.
كانت في طريقها إلى مكة يوم لقيت ابن عباس موفدا من قبل عثمان ليتلو على الحجاج كتابه، ويطلب النصفة بينه وبين الثائرين عليه، فاقترحت عليه أن يخذل الناس عن عثمان، وأن يشككهم فيه، ورشحت للخلافة طلحة بن عبيد الله؛ لأنه «اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يل الخلافة يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي الله عنه».
قال لها ابن عباس: يا أمه! لو حدث - أي اعتزال عثمان - ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا ... قالت: إيها عنك لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.
Página desconocida