Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Géneros
صلى الله عليه وسلم
مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة، وقلت لأبي: أجب رسول الله! قال: والله لا أدري ما أقول. فقلت لأمي: أجيبي. فقالت كذلك: والله ما أدري ... ثم قلت: لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم، فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة، لتصدقني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف عليه السلام: فصبر جميل والله المستعان. ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، وما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ... وكنت أرجو أن يرى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
رؤيا في النوم يبرئني الله بها. وعند ذلك قال أبو بكر رضي الله عنه: ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل علي، والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية، حيث لا يعبد الله، فيقال لنا في الإسلام! ... فأخذ رسول الله ما كان يأخذه عند نزول الوحي، فسجي ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه، فلما سرى عنه إذا هو يضحك، وإنه لينحدر منه العرق مثل الجمان، فجعل يمسح العرق عن وجهه الكريم، وكان أول كلمة تكلم بها: يا عائشة! أما إن الله قد برأك. فقالت أمي: قومي إليه. قلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله. وتناول رسول الله درعي فدفعت يده، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها، فمنعه رسول الله وهو يضحك ويقسم عليه ألا يفعل ...»
إلا أن النبي عليه السلام قضى فترة من الوقت قبل ذلك، وهو في قلق شديد لا يدري ماذا يفعل، واستشار الصحابة فقال له عمر بأسلوبه الحاسم: من زوجها لك يا رسول الله؟ قال: الله تعالى! قال: أفتظن أن الله دلس عليك فيها؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. ودعا عليا وأسامة بن زيد ليستأمرهما في فراق أهله، فقال أسامة بن زيد: أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيرا. وقال علي: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية - يعني بريرة - تصدقك. فدعا بها وسألها: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجينها فتأتي الداجن فتأكله. وسأل زينب بنت جحش، وهي أحب نسائه إليه بعد عائشة، فقالت: أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، والله ما أكلمها وإني لمهاجرتها، وما كنت أقول إلا الحق.
وفي خلال ذلك كان عليه السلام يتأذى بحديث الإفك، فخطب المسلمين قائلا: أيها الناس، ما بال رجال يؤذوني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق؟ ... ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي، يقولون عليه غير الحق ... فقال أسيد بن حضير: يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفيكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك؛ فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم. فوثب سعد بن عبادة وصاح به: كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. وهم به أسيد بن حضير، وتساور الناس حتى كادت تكون فتنة، لولا أن أدركهم النبي بحسن توفيقه. •••
هذه خلاصة حديث الإفك بحذافيره كما بقي لنا في مصادره التي يعتمد عليها اليوم كل باحث في موضوع هذا الحديث، كائنا ما كان ظنه بالإسلام أو بالنبي وأهله.
وفي وسع القارئ أن يعرف قيمة هذه الوشاية من نظرة واحدة؛ فهي على التحقيق وشاية لا قيمة لها عند منصف يلمس من ورائها تربة الكيد والوقيعة التي نبتت فيها؛ إذ هي تربة وبيئة تنضح بسخائم الخصومة الدينية والسياسية، ومساوئ الخبث والكذب والنفاق، وخليق بها أن تبعث الشك في كل حديث ينبت بين طياتها، ولو زعموا له من الأسانيد والشبهات أضعاف ما زعموا لهذه الوشاية الواهية، وليس لها من سند ولا شبهة إلا أن السيدة عائشة تأخرت في الطريق هنيهة حين تحرك العسكر على حين فجأة، وقد كانت الرحلة كلها كثيرة المفاجآت في مواعيد النزول والرحيل.
تلك شبهة لا تكفي للشك في امرأة من عامة المسلمين الخارجين للجهاد في حضرة نبي الإسلام؛ إذ لو كانت كل امرأة تتأخر في الطريق تؤخذ بالتهمة في دينها وعرضها، لكانت التهم في الأعراض أهون شيء يخطر على بال.
بل لو تأخرت كل امرأة في الركب غير السيدة عائشة لجاز أن تلحق بها شبهة من هذا التأخير؛ لأن الركب لم تكن فيه امرأة غيرها يهابها الموكلون بهودجها أن ينادوها ليتأكدوا من وجودها، ولم تكن فيه امرأة أخرى تهاب الرقبة من جيش المسلمين كما تهابها وهي زوج النبي وبنت الصديق، وقد كان أبوها يحمل راية المهاجرين في تلك الغزوة بعينها.
Página desconocida