51

Siddiqa Bint Siddiq

الصديقة بنت الصديق

Géneros

وإنما أومأنا إلى ضروب من تلك الوشايات لنعلم أن الحذر واجب هنا على قدر ضخامة الأغراض التي تخلق الوشاية، وتنطلق في ترويجها إلى أيامنا هذه وإلى ما بعد هذه الأيام، ما دام في الدنيا أناس يستبيحون أن يجترئوا بالشبهات على امرأة لا ذنب لها إلا أنها زوج نبي يريدون التشكيك فيه.

على أننا في الجهة الأخرى نبرئ السيدة عائشة من هذه المظنة، ولا نعتمد في التبرئة إلا على الفهم الذي يفهمه المسلم ومن لا يدين بالإسلام، ويقبله صاحب الدين ومن لا يأخذ بدين من الأديان؛ لأن براءتها ليست من الخفاء بحيث لا يقام عليها الدليل إلا من وحي السماء.

وكفى دليلا هنا أن ليس على الظنة بها أقل دليل. •••

نشأ حديث الإفك بعد عودة النبي من غزوة بني المصطلق، وقد كان مسير الجيش في عودته من هذه الغزوة مضطربا أشد اضطراب، لشيوع الفتنة بين المسلمين وأتباع عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وزعيم الخزرج أقوى قبائل المدينة، والرجل الذي جامل النبي عليه السلام كل مجاملة كريمة، فلم يقلع عن نفاقه ولم يدع قط فرصة من فرص الكيد والسعاية.

ففي طريق العودة من غزوة بني المصطلق، نجم ذلك الخلاف الذي أشرنا إليه على السقاية من بعض الآبار، فصاح صائح: يا للخزرج! وصاح الآخر: يا لكنانة، يا لقريش! وشهر الفريقان السلاح، فخرج النبي غاضبا لهذه العصبية، التي كره أن يحييها الخلاف في جيشه، وسأل: ما بال دعوى الجاهلية؟ ثم قال: دعوها فإنها منتنة .

واغتنم عبد الله بن أبي الفرصة فطفق يحضأ في النار، ويصيح في كل من لقيه: «ما رأيت كاليوم مذلة، والله إني لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما سمعت، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. حتى قال لأتباعه: لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا، فقتلتم دونه - يعني النبي - فأيتمتم أولادكم، وقللتم وكثروا، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عند محمد.» إلى آخر ما قال وبلغ النبي عليه السلام.

وشاع الخبر فأذن النبي عليه السلام بالرحيل في ساعة لم يكن يرحل فيها لشدة الحر، وسأله أسيد بن حضير: يا نبي الله، لقد رحلت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها؟ فقال: أما بلغك ما قال صاحبكم! يشير إلى كلام ابن سلول.

ثم سار الجيش سيرا حثيثا، وجعل النبي عليه السلام يضرب راحلته بالسوط في مراقها ليستعجلها، وانقضى اليوم وليلته وصدر من اليوم التالي حتى آذنتهم الشمس، ثم نزل الناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض حتى وقعوا نياما.

ولما أخذوا في المسير هاجت ريح شديدة كادت تدفن الركب، وخطر لبعض الجند أن عيينة بن حصن ربما أغار على المدينة في هذه الغاشية، لانقضاء مدة الموادعة بينه وبين المسلمين، فكان هذا من دواعي العجلة واضطراب مواعيد الرحيل.

ثم دنا الليل وهم على مقربة من المدينة، فأناخ الركب للراحة، وذهبت السيدة عائشة لبعض شأنها، ثم تفقدت عقدها وهي راجعة، فإذا به قد انسل منها فحبسها التماسه هنيهة، ثم عادت إلى مكان هودجها، فإذا بهم قد احتملوه وهم يحسبونها فيه، لخفتها. وتهيب الجند الذين يرحلون لها أن ينادوها أو يستوثقوا من وجودها.

Página desconocida