روى الترمذي قال: «لقي رسول
صلى الله عليه وسلم
جبريل فقال: يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أمية؛ منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتابا قط. فقال لي: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.»
5
وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة، وأوردوا فيها خمسة وثلاثين قولا؛ من هذه الأقوال أنه رخص للمسلمين أول العهد بالإسلام أن يحلوا المترادف محل بعضه إلا أن يخلطوا آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، وذلك في نحو هلم وتعال وأقبل وأسرع وعجل. وعن أبي بن كعب أنه كان يقرأ «للذين آمنوا انظرونا»: «للذين آمنوا أمهلونا»، «للذين آمنوا أخرونا»، «للذين آمنوا ارقبونا». وكان يقرأ «كلما أضاء لهم مشوا فيه »: «مروا فيه»، «سعوا فيه»، ذلك أن أهل القبائل كان يعجزهم أن يأخذوا القرآن على غير لغاتهم، ولو راموا ذلك لم يتهيأ لهم إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فلما كثر اتصالهم برسول الله حفظوا القرآن بألفاظه ولم يسعهم أن يقرءوا بخلافها، وفي رأي أن الإباحة في هذا كانت مطلقة أول العهد ثم نسخت.
صحيح أن بعض الأقوال في تأويل نزول القرآن على سبعة أحرف تخالف هذا القول، فيذهب بعضها إلى أن في القرآن سبع لغات العرب كلها، وأن هذه اللغات متفرقة فيه، أو أن هذه اللغات السبع في مضر، ويذهب بعض آخر إلى أن سبعة الأحرف تتصل بوجوه الاختلاف في القراءة، أو تتصل بمعاني كتاب الله، لكن هذه الأقوال لا تنفي القول الأول على الأقل أول ما بدأ الإسلام ينتشر في القبائل، ويذكر بعضهم أن الأمر ظل كذلك سنين متعاقبة، أو إلى أن قبض النبي؛ لكنهم يقيدونه بأن ذلك كان بالوحي لا بالاختيار، يقول القرطبي: «إنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي
صلى الله عليه وسلم
ليوسع بها على أمته، فأقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا ... وعلى هذا يحمل قول أنس حين قرأ: «إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا»، فقيل له إنما نقرأ «وأقوم قيلا»، فقال أنس: «وأصوب قيلا وأقوم قيلا وأهيأ واحد.» فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، وإلا فلو كان هذا لأحد من الناس أن يضعه لبطل معنى قوله تعالى:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر: 9)، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب أنه قال: «سمعت هشام بن حكيم يقرأ الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله
Página desconocida