وفي بنك القاهرة تكرر ما حدث في بنك مصر، ووجدت أن حسابه به ألفا جنيه سحبهما تنفيذا لأمرها، واستولت على الجنيهات الألفين، كما استولت على الستة آلاف الأخرى وقالت للسائق: اذهب إلى البيت واترك هذه السيارة، واذهب إلى شركة البك لتحضر سيارته.
وحين خلت بهما حجرة المعيشة قالت كريمة بوجه جامد: أنت تعرف طبعا أنني ليس عندي مبالغ سائلة، والأرض من حق عطاء، والحلي التي عندي كنت أريد أن أستبقيها لعروسه، ولكني سأبيع منها ما يفي ببقية المبلغ الذي اختلسته.
وحاول بهجت أن يفتح فمه. - يا كريمة أرجو أن ...
فقاطعته: أرجو ألا تتكلم في الموضوع إطلاقا، والله وحده يعلم كيف سأعيش معك بعد ذلك، ولكن أي كلام سيزيدني احتقارا لك، وأسفا على أنني وافقت على الزواج منك.
ولم يجد بهجت شيئا يصنعه إلا أن يترك البيت، ويخرج قاصدا إلى سليمان ذكري في مكتبه، ولم يمهله سليمان بل عاجله. - ماذا؟ ... لماذا جئت إلى مكتبي؟ - وأي عجيب في ذلك ؟ - لا شيء، مجرد أننا لا نستطيع أن نجلس براحتنا، وعلى كل حال لماذا لم تذهب إلى مكتبك؟ - لن أذهب منذ اليوم. - لا أريد أن أعرف السبب. - اختلفت معهم وتبين لي أنني لن استطيع الاستمرار. - فما قولك أن تعمل معي؟ - مبدئيا أنا موافق، ولو أنني لا أعرف طبيعة عملك. - ستعرفها، لا تعجل، ولكن المهم أنك ستعمل خارج المكتب. - أحسن. - هلم بنا. - إلى أين؟ - إلى مكان ... هلم.
وخرجا، وقضى بهجت الوقت مع سليمان وتناول معه الغداء؛ آملا أن يترك فرصة لكريمة لتكون صالحة للكلام معه. إنها طبعا ستحاول أن تعصف بي، وليس لي حيلة إلا الصمت، والزمن كفيل بالأمر بعد ذلك.
وجد كريمة جالسة بمفردها في غرفة المعيشة، فما إن جاء حتى بادرته قائلة: أنا مضطرة أن أبقي عليك في البيت؛ لأني لا أريد لعطاء أن يكون بغير أب، ولكن الحقيقة سيكون بلا أب، فلا شأن لك به مطلقا إلا التحية العابرة؛ فمنذ اليوم سأتولاه أنا تماما، وأرجوك أن تحاول بكل جهدك أن تقضي يومك خارج البيت، فيما عدا مواعيد الطعام والنوم.
وأخيرا قال: إني أعرف أنني أخطأت، ولكن إذا لم تغفر الزوجة لزوجها فمن يغفر له؟ - أنت تعلم حرصي على ديني وكرامتي، فأنا لا أترك فرضا من فروض الله إلا أديته، وأنت حتى لا تصوم ولو على سبيل التظاهر، لقد اتضح لي من زمن بعيد أننا من معدنين مختلفين كل الاختلاف، وأنا أنوي أن أجعل عطاء بعيدا عنك في خلقك ودينك كل البعد، وما أقوله لك اليوم لا نقاش فيه ولا مراجعة ولا تراجع أيضا. - أمرك.
الفصل السابع عشر
سرعان ما عرف بهجت طبيعة عمله مع سليمان ذكري، وكان من الطبيعي بما خلقه وانعدام كل أنواع الضمير عنده أن يقبله، وإنما كانت جوانحه لم تخل من الخوف الذي يبلغ درجة الذعر في بعض الأحيان.
Página desconocida