فقاطعته مرة أخرى قائلة: أنا أعرف أنك لا تريدني أن أرى والدتك، ولكنني مصممة أن أراها، وأنا واثقة تماما أنها لم تترك القرية، وأقدر ما سأجدها عليه من مظاهر الفلاحات، ولكني فهمت من كلامك عنها أنها سيدة عاقلة ومحترمة وهذا يكفيني؛ ولذلك أنا مصممة على أن تأتي مع أبيك. - أمرك، ولكن هل أستطيع أن أعرف سبب هذا التصميم. - إذا تم هذا الزواج فأريده أن يكون طبيعيا، ولو كان أبي بصحته لصممت أن يذهب والدك ووالدتك إليه ويطلباني لك منه. أما في حالة أبي هذه فهذا الطلب لا بد أن يكون مني أنا؛ فأمي مشغولة عنا بحياتها الاجتماعية، وأختاي الاثنتان أصغر مني، وعلى كل فهذا هو شرطي الأساسي.
سافر بهجت في نفس اليوم إلى والده بالهندامة، ولم يكن مجدي بالبيت فقال لأبيه بمشهد من أمه: ما رأيكما إذا كنت أريد الزواج؟
وصاحت الحاجة عايدة: والنبي صحيح؟ ... ألف مبروك.
وقال الحاج سعيد: انتظري يا حاجة ... هل اخترت العروس؟ إذا لم أقل لهما إنني أطلبها فسيعرف أبي أنني أكذب عليهما أو على الأقل أبي لن يفوته أنني أموه عليه، وربما استهول أن أتزوج أنا ابنة الباشا، ورفض التقدم حتى لا يتعرض للخزي، أحيانا الصراحة تكون أخبث من المداورة. - الحقيقة يا أبي أني كلمتها فعلا، ولكنها أصرت ألا يطلبها للزواج إلا أبواي.
وفي لمحة ذكاء قال الحاج سعيد: إذن تكون كريمة هانم؟
وانتتر بهجت واقفا. - بسم الله الرحمن الرحيم. - اهدأ ... اهدأ ... أتعرفين كريمة هانم يا حاجة؟ - أعرف أن بنت الباشا الكبيرة اسمها كريمة. - إنها هي. - ألم تكن متزوجة؟
وأكمل الحاج: وزوجها تعيشين أنت. - نعم، سمعت شيئا كهذا، ولكن يا بهجت يا ابني أليست كبيرة عليك. - بسنوات قلائل. - ولماذا يكون أول بختك امرأة؟
فقاطعها بهجت مستنكرا: امرأة! - آسفة، سيدة أرملة وأكبر منك أيضا.
وحسم الحاج سعيد الحوار: على بركة الله يا بني، توكل على الله. - ولكنها تريدك أنت وأمي أن تذهبا لتطلباها لي. - نطلبها من الباشا ...؟ - الباشا لا يقابل أحدا ... منها هي. - ولماذا لا نذهب؟ ... يا زين ما اخترت.
وقالت الحاجة: ولكن يا حاج ... - الأمر انتهى ... يا بهجت متى تريد أن نذهب؟ - إن كان علي فأنا أريد أن نذهب الآن. - غدا، إن شاء الله، نسافر معك أنا ووالدتك. - على بركة الله.
Página desconocida