وكذلك في الصحيحين وغيرهما في حديث الإفك لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا على المنبر يعتذر من رأس المنافقين عبد الله بن أبي فقال: "من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا. فقام سعد بن معاذ سيد الأوس، وهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، بل حكم في حلفائه من بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة“(1). فقال: يا رسول الله، نحن نعذرك منه. إن كان من إخواننا من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت لعمر الله، لا تتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، فقال: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. وكادت تثور فتنة بين الأوس والخزرج، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم وخفضهم.
وهؤلاء الثلاثة من خيار السابقين الأولين، وقد قال أسيد بن حضير لسعد بن عبادة: "إنك منافق تجادل عن المنافقين" وهذا مؤمن ولي لله من أهل الجنة، وذاك مؤمن ولي لله من أهل الجنة، فدل على أن الرجل قد يكفر آخر بالتأويل، ولا يكون واحد منهما كافرا.
Página 41