فالجواب: أنا لم نرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب)) إنما الذي رويناه عن العلماء أنهم رووا أن عمر لما افتتح بلاد الثنوية من المجوس قال: ما أصنع بقوم لا كتاب لهم؟ أنشد الله رجلا سمع فيهم شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ذكره، فقال عبدالرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم)) فهذا الخبر لا ظاهر له، فإذا كان كذلك لم يصح الاحتجاج به ثم لو روى غيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب)) إلى آخره لكان عموما في المجوس، مخصوصا بما ذكرناه من القياس إذ المجبرة أهل الكتاب فوجب القضاء بجواز أكل ذبائحهم، وهذا واضح بمن الله تعالى.
فصل
إن قيل: إن المجبرة يعبدون غير الله تعالى فهم مشركون، فلا يجوز ذبيحتهم وبيان ذلك أنهم يعبدون الرب الذي يفعل القبائح، ويقضي بالفضائح، إلى غير ذلك من اعتقاداتهم أنهم يصرفون عبادتهم إلى الرب الذي هذه حاله، فهم على الحقيقة يعبدون غير الله تعالى، وهو من يفعل هذه الأمور، وفي هذا التشبيه لله تعالى بخلقه، فالجواب أن هذا لا يقدح؛ لأن في اليهود والنصارى من يشبه الله تعالى بخلقه، وإنما جاز أكل ذبيحتهم لكونهم أهل كتاب لا غير، والمجبرة أهل الكتاب بل كتابهم أشرف الكتب، ومحمد أفضل الأنبياء، وأمته أفضل الأمم، فإذا جازت ذبائح أهل الكتاب لكونهم أهل كتاب، فذبائح المجبرة أولى بالجواز، فإن قيل: ما الذي يدل على ما ذكرتم في اليهود والنصارى؟ قلنا: قول الله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله}[التوبة:30].
Página 81