والذى ينبغى أن يعلم من حال الصور التى فى النفس هو ما أقوله، أما المتخيلات وما يتصل بها فإنها إذا أعرض عنها النفس كانت مخزونة فى قوى هى للخزن وليست بالحقيقة مدركة، وإلا لكانت مدركة وخزانة معا، بل هى خزانة إذا رجعت القوة الدراكة الحاكمة إليها وهى الوهم أو النفس أو العقل وجدتها حاصلة، فإن لم تجدها احتاجت إلى استرجاع بتحسس أو بتذكر، ولولا هذا العذر لكان من الواجب أن يشك فى أمر كل نفس إذا كانت ذاهلة عن صورة أتلك الصورة موجودة أم ليست بموجودة إلا بالقوة، ويتشكك فى أنها كيف ترتجع، وإذا لم تكن عند النفس فعند أى شىء تكون؟ والنفس بأى شىء تصل حتى تعاود هذه الصورة؟ لكن النفس الحيوانية قد فرقت قواها، وجعلت لكل قوة آلة مفردة فجعلت للصور خزانة قد يغفل عنها الوهم وللمعانى خزانة قد يغفل عنها الوهم إذ ليس الوهم موضع ثبات هذه الأمور ولكن الحاكم، فلنا أن نقول إن الوهم قد يطالع الصور والمعانى المخزونة فى حيزى القوتين، وقد يعرض عنها، فماذا نقول الآن فى الأنفس الإنسانية والمعقولات التى تكتسبها وتذهل عنها إلى غيرها أتكون موجودة فيها بالفعل التام؟ فتكون لا محالة عاقلة لها بالفعل التام، أو تكون لها خزانة تخزنها فيها، وتلك الخزانة إما ذاتها وإما بدنها أو شىء بدنى لها، وقد قلنا إن بدنها وما يتعلق ببدنها مما لا يصلح لذلك إذ لم يصلح أن يكون محلا للمعقولات ولا صلح أن تكون الصور العقلية ذات وضع، وكان اتصالها بالبدن يجعلها ذات وضع، وإذا صارت فى البدن ذات وضع بطل أن تكون معقولة، أو نقول إن هذه الصور العقلية أمور قائمة فى أنفسها كل صورة منها نوع أمر قائم فى نفسه، والعقل بنظرإليها مرة ويغفل عنها أخرى، فإذا نظر إليها تمثلت فيه، وإذا أعرض عنها لم تتمثل، فتكون النفس كمرآة وهى كأشياء خارجة، فتارة تلوح فيها وتارة لا تلوح، وذلك بحسب نسب تكون بين النفس وبينها، أو يكون المبدأ الفعال يفيض على النفس صورة بعد صورة بحسب طلب النفس وأن يكون إذا أعرضت عنه انقطع الفيض، فإن كان هذا هكذا فلم لا تحتاج كل كرة إلى تعلم من رأس_
Página 246