وأخص الخواص بالإنسان تصور المعانى الكلية العقلية المجردة عن المادة كل التجريد على ما حكيناه وبيناه، والتوصل إلى معرقة المجهولات تصديقا وتصورا من المعلومات العقلية، فهذه الأفعال والأحوال المذكورة هى مما يوجد للإنسان، وجلها يختص به الإنسان، وإن كان بعضها بدنيا ولكنه موجود لبدن الإنسان بسبب النفس التى للإنسان التى ليست لسائر الحيوان، بل نقول إن للإنسان تصرفا فى أمور جزئية وتصرفا فى أمور كلية، والأمور الكلية إنما يكون فيها اعتقاد فقط ولو كان أيضا فى عمل، فإن من اعتقد اعتقادا كليا أن البيت كيف ينبغى أن يبنى فإنه لا يصدر عن هذا الاعتقاد وحده فعل بيت مخصوص صدورا أوليا، فإن الأفعال تتناول أمورا جزئية وتصدر عن آراء جزئية، وذلك لأن الكلى من حيث هو كلى ليس يختص بهذا دون ذلك، ولنؤخر شرح هذا معولين على ما يأتيك فى الصناعة الحكمية فى آخر الفنون، فيكون للإنسان إذن قوة تختص بالآراء الكلية وقوة أخرى تختص بالروية فى الأمور الجزئية فيما ينبغى أن يفعل ويترك مما ينفع ويضر ومما هو جميل وقبيح وخير وشر، ويكون ذلك بضرب من القياس والتأمل صحيح أو سقيم غايته أنه نوقع رأيا فى أمر جزئى مستقبل من الأمور الممكنة لأن الواجبات أو الممتنعات لا يروى فيها لتوجد أو تعدم، وما مضى أيضا لا يروى فى إيجاده على أنه ماض، فإذا حكمت هذه القوة تبع حكمها حركة القوة الإجماعية إلى تحريك البدن كما كانت تتبع أحكام قوى أخرى فى الحيوانات، وتكون هذه القوة استمدادها من القوة التى على الكليات، فمن هناك تأخذ المقدمات الكبرى فيما تروى وتنتج فى الجزئيات، فالقوة الأولى للنفس الإنسانية قوة تنسب إلى النظر فيقال عقل نظرى، وهذه الثانية قوة تنسب إلى العمل فيقال عقل عملى، وتلك للصدق والكذب وهذه للخير والشر فى الجزئيات، وتلك للواجب والممكن والممتنع، وهذه للقبيح والجميل والمباح، ومبادى تلك من المقدمات الأولية ومبادى هذه من المشهورات والمقبولات والمظنونات والتجريبات الواهية التى تكون من المظنونات غير التجريبات الوثيقة، ولكل واحدة من هاتين القوتين رأى وظن، فالرأى هو الاعتقاد المجزوم به، والظن هو الاعتقاد المميل إليه مع تجويز الطرف الثانى، وليس كل من ظن فقد اعتقد كما ليس كل من أحس فقد عقل أو من تخيل فقد ظن أو اعتقد أو رأى، فيكون فى الإنسان حاكم حسى وحاكم من باب التخيل وهمى وحاكم نظرى وحاكم عملى، وتكون المبادى الباعثة لقوته الإجماعية على تحريك الأعضاء وهم خيالى وعقل عملى وشهوة وغضب، وتكون للحيوانات الأخرى ثلثة من هذه،
Página 208