ولنزد هذا بيانا فنقول إنه سيتبين لنا بعد أن هذه القوى كلها لنفس واحدة وأنها خوادم للنفس، فليسلم ذلك وضعا وليعلم أن اشتغال النفس ببعض هذه يصرفها عن إعانة القوى الأخرى على فعلها أو عن ضبطها عن زيغها أو عن حملها على الصواب، فإن من شأن النفس إذا اشتغلت بالأمور الباطنة أن تغفل عن استثبات الأمور الخارجة فلا تستثبت المحسوسات حقها من الاستثبات، وإذا اشتغلت بالأمور الخارجة أن تغفل عن استعمال القوى الباطنة، فإنها إذا كانت تامة الإصغاء إلى المحسوسات الخارجة ففى وقت ما تكون منصرفة إلى ذلك يضعف تخيلها وتذكرها، وإذا انصبت إلى أفعال القوة الشهوانية انكسرت منها أفعال القوة الغضبية، وإذا انصبت إلى أفعال القوة الغضبية انكسرت منها أفعال القوة الشهوانية، وبالجملة إذا انصبت إلى استكمال الأفعال الحركية ضعفت الأفعال الإدراكية وبالعكس، فإذا لم تكن النفس مشتغلة بأفعال قوى عن أفعال قوة ما بل كانت وادعة كأنها معتزلة عرض لأقوى القوى وأعملها أن تغلب، وإذا اشتغلت بقوة ما وعارض ما عن تثقيف قوة إنما تضبطها عن حركاتها المفرطة مراعاة النفس أو الوهم إياها استولت تلك القوة ونفذت فى أفعالها التى بالطبع قد خلا لها الجو، وهذا الذى يعرض للنفس من أن لا تكون مشتغلة بفعل قوة أو قوى قد يكون لآفة أو لضعف شاغل عن الاستكمال كما فى الأمراض وكما فى الخوف، وإما أن يكون لاستراحة ما كما فى النوم، وإما أن يكون لكثرة انصراف الهمة إلى استعمال القوة المنصرف إليها عن غيرها
Página 171