وليس كل نسبة إضافة، فإن لكل شىء نسبة فى الذهن إلى الأمر الذى يلزمه فى الذهن، لكن لا يكون ذلك إضافة، كما قلنا؛ فإن أخذت النسبة مكررة فى كل شىء صارت له إضافة. ومعنى قولى " مكررة " أن يكون النظر لا فى النسبة فقط، بل بزيادة اعتبار النظر إلى أن للشىء نسبة من حيث له نسبة، وإلى المنسبوب إليه كذلك؛ فإن السقف له نسبة إلى الحائط، فاذا نظرت إلى السقف من حيث النسبة التى له فكان مستقرا على الحائط، ونظرت من حيث هو مستقر على الحائط صار مضافا لا إلى الحائط من حيث هو حائط، بل من حيث هو مستقر عليه؛ فعلاقة السقف بالحائط - من حيث الحائط حائط - نسبة، ومن حيث تأخذ الحائط منسبوبا إليه بالاستقرار عليه، والسقف بنفسه منسوب، فهو إضافة. وهذا معنى ما يقولون: إن النسبة تكون لطرف واحد، والإضافة تكون للطرفين؛ وذلك أنك إذا أخذت السقف مستقرا على الحائط وجدت النسبة من جهة السقف المستقر؛ وأما جانب الحائط فلا نسبة فيه إلى شىء من حيث هو حائط. وأما إذا أخذت النسبة من حيث السقف مستقرا على مستقر عليه، والحائط مستقر عليه لمستقر، انعكست النسبة، وصلحت لآن تكون إضافة . فكل نسبة لا توجد من الطرفين جميعا من حيث هى نسبة، فهى نسبة غير إضافية؛ وكل نسبة يؤخذ الطرفان فيها من حيث النسبة فهى الإضافة. والأمور التى تؤخذ منسوبة بلا زيادة فهى منسوبة فقط، وإن أخذت منسوبة على هذا الشرط فهى مضافة؛ فذوات الأمور قد تكون منسوبة. وإن أخذت مع النسبة، من حيث هى نسبة، صارت مضافة.
ومن الأمور المضافة ما هو مثل الأكبر والأصغر، والضعف والنصف؛ ومنها ما هو مثل القوة والقدرة، فإن القوة والقدرة قوة وقدرة لشىء على شىء، والحال حال لذى الحال، والحس حس حاس بمحسوس، والعلم علم عالم بمعلوم؛ وكذلك القيام قيام قائم، والجلوس جلوس جالس، فهذه كلعل مضافات، لكنه من هذه ما هو كالكبير فإنه لا يكون فى نفسه كبيرا وفى ماهيته كبيرا أو يكون هناك صغير؛ وكذلك الشبيه والمساوى. وأما القدرة والقوة، والحس والعلم، فيشبه أن لا يكون الأمر فيها هذا الأمر، فإن ماهية الشىء الذى هو العلم إنما يقال له علم بالقياس إلى العالم، وإن كان لا يوجد إلا فى العالم.
وكذلك ماهية البياض والحمرة والجلوس؛ وليس البياض إنما يقال له بياض بالقياس إلى الموضوع الذى هو له بياض، وإن كان لا يوجد إلا فيما هو له بياض. وفرق بين أن يكون الشىء لا يوجد إلا أن يوجد شىء، وبين أن تكون ماهيته مقولة بالقياس إلى شىء؛ فإن العالم لا يوجد إلا بالبارى، وليست ماهيته مقولة بالقياس إلى البارى. وكذلك الثنائية لا توجد إلا بالوحدانية، وليست ماهيتها مقولة بالقياس إلى الوحدانية.وليس الوجود والماهية شيئا واحدا، ولا اقتران الماهية بالماهية هو قول الماهية بالقياس إلى الماهية، بل كون الماهية بالقياس أن تكون الماهية هى حقيقة الكون مقارنا للمقارن على الحالة القارنة.
فبعض هذه الأمور المعدودة ماهياتها مقولة بالقياس إلى غيرها، كالكبير والصغير؛ وبعضها تجعل كذلك إذا أخذت مع النسبة كالبياض: فإنه إذا أخذ من حيث هو فى الابيض كان مضافا، كما لو سمى كونه من حيث هو فى الأبيض جسما، كان الجسم ماهيته مقولة بالقياس إلى الشىء الذى له البياض.
فقد علمت أن بعض ما عددناه فى المضاف ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره؛ وبعضه يقال بالقياس إلى غيره بنسبة تلحق ماهيته، فحينئذ تكون مقولة بالقياس إلى غيرها، وكان ذلك الإلحاق يجعل له ماهية أخرى متقررة بنفسها فالأمور المضافة هى أمثال هذه؛ وقد توجد فيها مضادة كالفضيلة والخسيسة التى كل واحد منهما قد تصح له إضافة إلى موضوعه. ولكن ليس كل مضاف يقبل ذلك، فإنه لا ضد للضعفين، ولا للزايد جزءا.
Página 102