فنقول نحن: إن الخاصة الأولى للكمية هى التى منها ينقدح لنا الوقوف على معنى الكمية أنها لذاتها، لا لشىء آخر يحتمل أن يوقع فيها التقدير. وأما أنها لا مضاد لها فأمر لا ينتقل الذهن من الوقوف عليه إلى التفطن بماهية الكم.وكيف وهذه مما يشارك الجوهر فيها الكمية ؟ فإنها من الخواص التى بالقياس، لا التى على الإطلاق والإقرار بأن الكمية لا مضاد لها مما يجب أن يوضع فى المنطق وضعا. ولتقنع فيه بالاستقراء أو بما يشبهه من الحجج؛ مثل أن تقول: إن الكميات المتصلة قد تتوافر معا فى موضوع واحد؛ وبعضها نهايات بعض؛ وإن المنفصلات كيف يمكن أن يفرض لواحد منها ضد؛ وأى شىء وضع ضدا للأثنين مثلا، فهناك شىء واحد هو أبعد مشاكلة للأثنين منه وهو العدد الأزيد منه؛ فلو جعل الألف ضدا للأثنين أو الثلاثة من جملتها، لكان العشرة ألف أبعد من طبيعته، فكان أولى بمضادته، ولكان الألف أولى بأن يكون فى حكم المتوسط بين الضدين. ثم كيف يكون متوسط والطرف وغير منفرد ؟ فإن قيل: إن الألف مثلا يوجد له ما هو فى غاية البعد عنه كالاثنين فلم ليس ذلك ضده ؟ فالجواب: إن ضد الشىء إنما يكون ضدا له إذا كان الشىء ضدا له ولو كان الاثنان ضدا للالف لأنه غاية فى البعد منه، لكان الألف ضدا للاثنين وغاية فى البعد منه؛ وإذ ليس ذلك فى الجانبين جميعا، بل فى جانب واحد، فليس ذلك بموجب للتضاد.
وبعد ذلك، فإنه وإن كان المنطقى لا سبيل له إلى إثبات أن لا ضد للكمية، فلا بد من أن يوافق فى أشياء يظن أنها أضداد وكميات معا فيعرف أنها ليست كذلك. فأول ذلك ما يظن من أن المتصل من الكم ضد للمنفصل. فأول الجواب فى ذلك أن المتصل والمنفصل؛ من حيث هما فصلان، من لواحق الكم، لا من الكم نفسه، كحال الفصول.وأيضا فإن الانفصال هو أن يعدم الاتصال فيما من شأنه فى نفسه أو فى جنسه أن يتصل. والعدم غير الضد؛ فليس الانفصال ضدا للاتصال؛وإن كان شىء واحد يكون موضوعا لقدر متصل، ثم ينفصل، فيوضع لعدد يفرض له.
وأما الزوجية والفردية والاستقامة والانحناء فإنها لا أضداد ولا كم. أما الزوجية والفردية فموضوعهما القريب أعداد ما؛ ولا تشترك فى الزوجية والفردية بالقوة؛ فلا العدد الموضوع للزوجية هو بعينه يصير فردا، ولا العدد الموضوع للفردية هو بعينه يصير زوجا؛ ولا يوجد شىء من الأشياء موضوعا بعينه للأمرين؛ وما كان كذلك لم يكن ضدا.وأيضا فليس الفرد إلا أن يوجد للعدد قسمة بمتساويين؛ فانقسام العدد إلى العدد الزوج والفرد انقسام بحسب إيجاب خاص بالشىء وسلب خاص به. لكنه قد اتفق أن وضع للكم مقرونا به هذا السلب أو هذا العدم اسم محصل؛ فأوهم الإثبات. وأيضا فإن الزوجية والفردية كيفيات فى الكم؛ ولا يمنع أن يكون فى الكم كيفيات متضادة، فتصير لاجلها الكميات متضادة بالعرض كالجواهر.
Página 97