وأما القسمة المشهورة التى لهذه الخمسة، فهى أقرب من القسمة الأولى، وذلك لأنهم يقسمون هكذا: إن كل لفظ مفرد إما يدل على واحد أو على كثير، والدال على الواحد هو اللفظ الشخصى، وأما الدال على الكثير فإما أن يدل على كثيرير مختلفين بالنوع، أو كثيرين مختلفين بالعدد. والدال على كثيرين مختلفين بالنوع إما أن يكون ذاتيا، وإما أن يكون عرضيا؛ فإن كان ذاتيا، فإما أن يكون فى جواب ما هو، وإما أن يكون فى جواب أى شىء هو. فيجعلون الدال على كثيرين بالنوع فى جواب ما هو جنسا، والدال عليه فى جواب أى شىء هو فصلا. وأما العرضى فهو العرض العام. ثم يقولون: إن الدال على كثيرين مختلفين بالعدد إما أن يكون فى جواب ما هو، وهو النوع، وإما فى جواب أى شىء هو، وهو الخاصة. فهذه القسمة منهم قد فاتها النوع بالمعنى المضاف، وفاتها طبيعة الفصل، بما هو فصل؛ بل إنما دخل فيها من الفصول ما يحمل على أنواع كثيرة ، وليس ذلك هو طبيعة الفصل، بما هو فصل؛ إذ ليس كل فصل كذلك، على ما سيتضح لك، إلا أن يراعى شىء ستعرفه، وتعلم أنهم لم يراعوه ولم يفطنوا له، فليس يمكننا أن نجعل ذلك عذرا لهم، اللهم إلا أن يكون المعلم الأول راعاه. وأيضا فإن هذه القسمة لم يفرق فيها بين الخاصة وبين الفصل الذى لا يكون إلا للنوع، وفاتها الخاصة التى هى خاصة نوع متوسط بالقياس إليه، فلم يوردوا الخاصة بما هى خاصة للنوع، بل بما هى خاصة لنوع أخير، كما لم يوردوا النوع إلا نوعا أخيرا.
الفصل الحادى عشر (يا) فصل في تعقب رسوم النوع
فلنتحقق الآن حال الحدود التى هى مشهورة للنوع فنقول: أما النوع بالمعنى الذى لا إضافة فيه إلى الجنس، فقد وفوا حده، إذ حدوه بأنه: المقول على كثيرين مختلفين بالعدد فى جواب ما هو؛ وذلك لأن الجنس والعرض العام لا يشاركانه؛ أذ كل واحد منهما مقول على كثيرين مختلفين بالنوع، لا على كثيرين مختلفين بالعدد؛ إذ يجب أن يفهم من قولهم: مقول على كثيرين مختلفين بالعدد، أنه مقول على ذلك فقط؛ لأنك إن لم تفهم ذلك، لم يكن كونه مقولا على كثيرين مختلفين بالعدد مانعا من كونه مقولا على كثيرين مختلفين بالنوع؛ فإن المقول على كثيرين مختلفين بالنوع قد يكون أيضامقولا. على كثيرين مختلفين بالعدد. فإذا علمت إن التخصيص بهذا الاسم إنما لما لا يقال إلا كذلك، خرج ما يقال على كثيرين مختلفين بالنوع من مفهومه. فهذا ما يفرق بينه وبين الجنس والعرض العام.فانه ليس يستحيل أن يكون الشىء الواحد له معنيان أحدهما بذاته والآخر بغيره، ولا يكون ذلك فرقا بينه وبين ذاته، إلا أن يقال إنه من حيث له المعنى الذى بذاته غيره من حيث له المعنى الآخر الذى له بغيره.
وهم لم يسلكوا فى هذا الموضع هذا السلوك؛ ولا هذا مما يحسن أن يعتبر فى هذا الموضع؛ ولا يمكنهم أن يدلوا على المعنيين المختلفين البتة بشىء غير الوجود، فإنهم لا يمكنهم أن يحصلوا معنى يدلون عليه بالوجود فى أحدهما هو غير المعنى الذى يدلون عليه بالوجود. فى الآخر حتى يعودوا فيضيفوا إلى أحدهما من خارج بذاته وإلى الآخر بغيره؛ بل الحق هو أن الأشياء تشترك فى الثبوت والوجود بمفهوم محصل عند الذهن.
وهذا بين بنفسه لا يمكن أن يبين؛ ومن ينكره فهو يغلط نفسه بإزالة فكره عن الغرض إلى غيره؛ ولولا هذا لما صح أن الشىء لا يخرج عن طرفى النقيض؛ فإن كل واحد من طرفى النقيض كان يكون أشياء كثيرة، ولم يكن بالحقيقة طرفا واحدا؛ بل الوجود فى جميعها معنى واحد فى المفهوم.
Página 66