فأما الخاصة فإنها تستعمل عند المنطقيين أيضا على وجهين: أحدهما أنها تقال على كل معنى يخص شيئا، كان على الإطلاق، أو بالقياس إلى شئ؛ والثاني أنها تقال على ما خص شيئا من الأنواع في نفسه دون الأشياء الأخرى، ثم قد يخص من هذا القسم باسم الخاصة ما كان مع ذلك شيئا موجودا لكل النوع في كل زمان. والخاصة التى هى إحدى الخمسة فى هذا المكان عند المنطقيين - فيما أظن - هى الوسط من هذه، وهى المقول على الأشخاص من نوع واحد فى جواب أى شىء هو لا بالذات، سواء كان نوعا أخيرا أو متوسطا، سواء كان عاما فى كل وقت، أو لم يكن؛ فإن العام الموجود فى كل وقت - سواء كان نوعا أخيرا أو متوسطا - هو أخص من هذا؛ ولو كانت الخاصة التى هى إحدى الخمس هى هذه، لكانت القسمة تزيد على خمسة، وإن كان الأولى باسم الخاصة - باعتبار اختصاصها بالنوع - غيرها ومعنى أخص منها. ولا يبعد أن نعنى بالخاصة كل عارض خاص بأى كلى كان، ولو كان الكلى جنسا أعلى، ويكون ذلك حسنا جدا. وتخرجها القسمة على هذا الوجه: وهو أن الكلى العرضى إما أن يكون خاصا بما يقال. عليه، أو غير خاص بما يقال عليه سواء كان ما يقال عليه جنسا أعلى أو متوسطا أو نوعا أخيرا؛ لكن التعارف قد جرى فى إيراد الخاصة على أنها خاصة لنوع، وتالية للفصل، فتكون الخاصة التى هى إحدى الخمسة هى ما يقال على أشخاص نوع ولا يقال على غيرها، عمت تلك الأشخاص أو لم تعم ، وكان النوع متوسطا أو أخيرا، وربما أوجبوا أن يكون النوع أخيرا.
وقد ذهب قوم إلى أن يجعلوا كل ما هو سوى أخص الخواص من جملة العرض العام، حتى لو كان مثلا لا يوجد إلا لنوع واحد، لكنه مع ذلك لا يوجد لكله بل لبعضه، ويكون مما يجوز أن يكون وأن لا يكون لذلك البعض، فهو العرض العام، حتى يكون العرضى إما موجود لنوع واحد ولكله دائما، فيكون خاصة، وإما ألا يكون كذلك، بل يكون إما موجودا لأنواع، وإما موجودا لنوع، ولكن لا بالصفة المذكورة، فيكون عرضا عاما. وهذا القول مضطرب، ولا يدل على الشىء من جهة عمومه وخصوصه وكليته، بل من جهة أخرى، ويجعل اسم العرض العام هذرا، فإن العرض العام موضوع بإزاء الخاص. وإذ الخاص إنما يحسن أن يصير خاصا لأنه لنوع واحد، فإذن ليس أن يجمل أخص الوجوه الثلاثة فى استعمال لفظة الخاصة دالا على المعنى الذى هو أحد الخمسة. وهذا الاستعمال الأعم يجعل الخواص مقسومة إلى أقسام أربعة: خاصة للنوع ولغيره كذى الرجلين للإنسان بالقياس إلى الفرس، وأحراه بذلك ما كان للنوع كله؛ وخاصة للنوع وحده، وهذا إما لكله، وإما لكله كالملاحة والفلاحة للإنسان؛ والذى لكله إما دائما فى كل وقت مثل ما يكون الإنسان ضحاكا أو ذا رجلين فى طبعه، وإما لا دائما كالشباب للإنسان. فالخاصة - من حيث هى أول أن تكون إحدى الخمسة - هى ما ذكرناه، وأما من حيث هى أولى بأن تكون خاصة فهى اللازمة المداومة التى لجميع النوع فى كل زمان. ولا يتناقض قولنا: إن كذا خاصة حقيقية، من حيث الاختصاص بالنوع، وليس هو الذى إليه قسمة الخمسة، وقولنا: إن الذى إليه قسمة الخمسة فهو خاصة حقيقية بحسب ذلك، ليس هو الذى هو الخاصة الحقيقية باختصاصه بالنوع. واعلم أن الخاصة التى هى إحدى الخمس هى الضحاك لا الضحك، والملاح لا الملاحة، وعلى ما قيل فى الفصل، وإن كنا نتجوز فى الاستعمال أحيانا فنأخذ الضحك مكان ذلك.
Página 32