121

كما لو أن قائلا قال: إن النفس لا يعرض لها النسيان إلا وهى فى البدن، أو شىء آخر غير النسيان، لم يدل ذلك على أن النسيان، أو ذلك الشىء، إنما يعرض للبدن، وبتوسطه يقال على النفس؛ كما أن الحركة تعرض للبدن، وبتوسطه يقال على بعض قوى النفس. ثم اللون حامله الأول هو االسطح، كما هو مشهور وتحقق فى العلم الطبيعى؛ والجسم بنفسه غير ملون، بل معنى أنه ملون، أن سطحه ملون. وليست القوة حاملها الأول هو العمق، وبتوسطه ويقال على الجسم، حتى يكون الجسم ذو القوة هو الذى مقدار تحته ذو قوة، بل القوة يحملها جسم تحمله مادته وصورته؛ وإنما تحمله مادته وحدها كما سيلوح لك تحقيقه فى صناعة أخرى. فالخلقة تلتئم من شىء حامله السطح بذاته، وما يحيط به السطح، وهذا الشىء هو الشكل؛ وشىء حامله السطح أيضا ولكن عند حال كونه نهاية لجسم ما طبيعى، وهذا الشىء هو اللون. فإذن الخلقة تلتئم من أمرين حاملهما الأول هو الكم، وبسببه يقال على الجسم. وأما البحث الثانى وما قيل فى حد االشكل، فيشبه أن يكون ذلك الرسم المشهور غير محقق للشكل الذى هو الكيفية، بل هو رسم للشكل الذى يستعمله المهندسون الذين يقولون إنه مساو لشكل آخر وغير مساو، وهو نصفه وثلثه، ويعنون بذلك مقدارا مشكلا. وذلك لأن الشىء الذى تحيط به الحدود بالذات هو المحدود ، والمحدود بالذات هو المقدار، والمقدار بالذات هو كم، والشكل كيف، والكيف ليس بكم، فليس إذن ما تحيط به الحدود بشكل هو الشكل الذى من باب الكيفية؛ لكن الهيئة الحاصلة من وجود الحد والمحدود على نسبة ما هو الشكل.

والدليل على صحة ما أقوله، وغفلة هؤلاء عنه، أن المربع غير التربيع، إلا أن يقال مربع ويعنى به التربيع نفسه، كما يقال أبيض ويعنى به البياض. ثم لا شك أن التربيع شكل من باب الكيف، والتربيع لا يقال إنه ما أحاط به حدود، بل يقال أنه هيئة ما أحاط به الحدود؛ وأما المربع فإن عنى به الشىء الذى أحاط به الحدود الأربعة، فلا يقال إنه كيف، بل إنه مكيف، ولا يصح حمل الكيف عليه. والمهندسون إنما يعنون بالمربع وبالشكل غير هذا الذى نذكر فى هذا الباب؛ فإنهم يعنون بالمربع وبالشكل الشىء الذى فيه التربيع والشكل؛ فلذلك صح قولهم: الشكل ما أحاط به حد أو حدود؛ فإن الشكل الذى للمهندس هو غير الشكل الذى كلامنا فيه ههنا، وأما من عنى به التربيع، فلا يمكنه أن يقول إن الشكل ما أحاط به حد أو حدود. فقولهم إن رسم الشكل المذكور ههنا هو هذا الرسم، قول مجازف فيه.

وإذ عرف هذا، فقد صحح أن الاستقامة، والانحناء، والتسطيح، والتقبيب، وغير ذلك ليست بأشكال، بل هيئات للكميات لا تتعلق بالحدود بوجه من الوجوه.

وأما البحث الثالث فيجب أن تعلم فيه، أن المعانى التى تلتئم من اجتماع أمور، فإنها يعسر إعطاء الحدود الموازنة لأسمائها؛ لأن الجمهور يصعب عليهم أن يميزوها، وأن يلتفتوا إلى خصائص أحوالها، إذ انتفاعهم بالجملة منها كانتفاعهم بالتفصيل فى القدر الذى يحتاج إليه الجمهور من تخيلها. والشكل من تلك الجملة. فإن الشكل ملتئم من مقدار ومن حدود على هيئة، كالمربع من سطح، ومن أربعة حدود، ومن هيئة. فلا يبالى فى عادة الجمهور، أن يجعل اسم المربع واقعا على السطح، من حيث له أربعة حدود، وعلى الحدود الأربعة، وعلى الهيئة. لكن السطح والحدود من باب الكم؛ فإذا أخذت معروضا لها ما يعرض، فإنه يحصل منها كميات ذوات أعراض، لايخرجها ما يعرض لها عن أن تكون كميات.

Página 125